تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

سامي فريد .. وجوه لا تغيب !


شدنى الشوق إلى أستاذى وصاحبى سامى فريد فاتصلت لأهنئه بعيد ميلاده وأثنيه عن موقفه التزام المنزل خشية عدوى كورونا، وبدأتُ المكالمة: بصفتك زملكاويا متحضرا  إيه رأيك نلتقى فى النادى الأهلى، فكل الفرق التى تحدت كورونا ولعبت خارج ارضها فازت، لاتسيو الإيطالى فاز خارج ملعبه على اليوفنتوس، والسيتى فاز على ريال مدريد فى إسبانيا «وليفربول صلاح» انهزم فى ملعبه وخرج 40 ألفا يرددون الهتاف الجنائزى لا تمش وحيدا، وحاصر الفيروس ملكة انجلترا فى قصرها بقلعة باكنجهام.. وأنت كنت على حق حين سمعت نصيحة طبيبك ورفضت التطعيم حفاظا على دعامات قلبك وصماماته، لكنك الآن تحتاج إلى جلسات تحت شمس الأهلى تهزم الوباء وتتذكر وتحكى!

كانت هذه هى الطريقة المحببة بيننا لبدء الحديث، لكن الأهم هو مايختار   سامى فريد أن يقوله  "فريدا" فى إنسانيته وروحه الضاحكة عن الوجوه التى تملأ كيانه ولا تغيب عن ذاكرته بعيدا عن قراءاته ومشروعاته وآخر العنقود فى كتبه الستين

ينتقل بسلاسة ميزت كتاباته من موهبة أمه وفراستها فى قراءة الوجوه إلى مغامرة يستعيدها من صباه مع صاحبيه بهجت بطل العديد من قصصه وأحمد مرعى فنان حقيقى انهار ركن من عالم سامى فريد برحيله ، وقهوة الكيت كات فى رمضان امبابة، ومن أستاذية يحيى حقى وتواضعه حين رفع قصته ونشر  "حضن الليل" اول قصة للشاب - سامى فريد - عام 1965.. وبعدها بـ 18 سنة حذره أستاذنا أحمد بهجت: مهنة تصميم الصفحات مقبرة أنت مكانتك كاتب قصة فرز أول،

انتقل فى الحكى بأسلوب طائر فحلقتُ معه بين وجوه الناس وفوق الشوارع والسنين، من الفن إلى السينما، ومن تياترو بديعة إلى هوليوود ومن الأدب العربى وعلى الزيبق وبدائع الجبرتى إلى هيمنجواى وشكسبير، أما حكايته عن نعيمة وصفى وعبقريتها فى التمثيل والكتابة فلا امل ولا ينسى أنها كانت واسطته لدخول الأهرام لأنها كانت رئيسة زوجته وحاملة مفاتيح روحه الدكتورة سلوى بهجت فى لجنة الثقافة بالاتحاد الاشتراكى بعد إغلاق مجلة المجلة أرسلته نعيمة هانم إلى زوجها عبدالحميد سرايا مدير الدسك المركزى بالأهرام، فقبل انضمامه بلا اختبار لمجرد أنه تلميذ يحيى حقى!

وعاد سامى فريد لموهبة أمه ودهشة الفنانة رتيبة رشدى نجمة فيلم فاجعة فوق الهرم حين سألتها: صوت مين الحلوة اللى سمعاه من شباكك؟ فقالت دا صوتى، فعادت بعد يومين ومعها عزت الجاهلى الملحن المشهور وترجاها تستأذن زوجها لتملأ اسطوانتين بصوتها وتقبض خمسة جنيهات!

وحكى سامى فريد عن صباه فى امبابة ومشى فى شارع عز الدين ايبك وجلس على قهوة الصاوى: كنا ساكنين جنب المعسكر الانجليزى، كان أبى فريد أفندى إسماعيل وأمى ربة البيت البسيطة زينب على موسى ضيوفا دائمين على مسرح على الكسار، شاهدتْ أمى أحد الممثلين الغلابة فنادته:
مش حضرتك ابراهيم افندى حمودة اللى ارتجلت جنب أم كلثوم وقلت: فضلت اخبى عنه هوايا .. حتى اشتكى م الحب قلبى.. وردت عليك أم كلثوم من الورقة وقالت: ياللى وفالك قلبى.. غلبت اخبى ودارى ..اعطف عليا وشوف أنينى، فقال «حمودة» لأمى كنا عايشين ببركة الست.. وفى مسرح المدرسة شاهدت مع والدى مسرحية للفنان على الكسار بعد أن نسيه الناس فى آخر أيامه، قال له والدى: ياعلى أفندى انت أبدعت فى على بابا والأربعين حرامى لدرجة إن كل مصر كانت معاك، انتفض الكسار من الفرح وبكى لوجود مواطن يتذكره بين الحضور واستحلفه: والنبى يافندى قول لهم انا مين!

ويتذكر سامى فريد وينسى الشغل وسنينه والمرض وأوهامه، يقلد أمه ببهجة كأنه شايفها أمامه، وينفعل ويضحك بصوت عال فى مكالمتنا الأخيرة وأنا أشعر به يقول بين دموعه الله يرحمك يا زوزو، اندهشتُ لنبرات صوته الشجية: كانت ست دار بقلب فنانة مسرحها الوحيد فى البيت وأولادها جمهورها، تشخص وتقلع الطربوش وتلبس العمة وتلعب التحطيب وتقلد ليلى مراد وعبدالوهاب معا، ويحكى سامى فريد فيقلد الثلاثة: أمه وهى تقول سنتى ..سنتى، وعبدالوهاب حين يرد بصوت خشن: إنت عاوزه جواهرجى، ويختم بصوت زوزو المغنى حلاوة الروح.  

وأم سامى فريد التى سيطرت على مكالمتنا، شاهدتها مرتين، مرة زرتها معه وأكلت من يدها كعك العيد، وهى تقيم فى منزلها ناصية شارع أبو بكر الصديق المواجه لمنطقة تجنيد الحلمية، والمرة الثانية كنا نجلس حوله فى صالة التحرير بالأهرام، وهو يصمم الصفحة الثالثة، جاءه تليفون فطوى الورق أربع طيات، وانحنى يغلق درج مكتبه، وعاد وجهه غارقا بالدموع تبللت النظارة فجففها بقميصه، ثم سحب شنطة يده وعبر شارع الجلاء وأدار مفتاح السيارة، فتحركت على مهل، ولم يتنبه لوجودى معه إلا بعد أن ركن تحت الشجرة أمام المنزل، ثم دخل وسط سيدات متشحات بالسواد وأنا خلفه، وانحنى كشف الملاءة البيضاء وقبل جبهتها وأعاد الملاءة، كان حريصا أن يستودعها دموعه لتؤنس وحدتها حتى التقاها بعد اربعين سنة فى رحاب الله ورحمته يوم الثلاثاء الماضى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية