تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
رحلة سلمان من "النار" إلى الإيمان!
الطبيعى والمنطقى أن أى كتاب عن إنسان عظيم يبدأ بفصل عن ميلاده وطفولته ونشأته، لكن الفصل الأول كله ـ 20 صفحة ـ من كتاب عن «حياة محمد» عليه الصلاة والسلام، يدور حول ميلاد ومسيرة صبى في بلاد فارس كان يعبد النار!
ولد الصبى لأبوين يعبدان النار كان والده من علية القوم "دهقان" صاحب أملاك فى قرية ايام الامبراطورية الساسانية، وكانت مهمة الصبى فى معبد القرية أن يحافظ على النار مشتعلة كل يوم، وفى مرة اصابه الملل وتمرد على هذه العبادة، فصنعت لنا رحلته من النار إلى الحقيقة فضلا عظيما وثورة فى تاريخ الفكر الانسانى!
ذات صباح ركب الصبي "مابه" حصانه كأنه سلطان زمانه، وشاهد شيخا يجلس على الطريق أمام خيمة مصنوعة من وبر الجمل ويقرأ فى كتاب ويبكى، فسأله الصبى: ما يبكيك يا عماه، فنظر اليه الرجل بين دموعه، وقال: من يطلب العلم لا يظل راكبا، بل ينزل ويمشى، ونزل الولد الأمير الصغير ، فناوله الشيخ كتابا انزله الله وأمر فيه بطاعته وعبادته واجتناب الفواحش وأكل أموال الناس بالباطل، ومشى الولد،.. وأمام كنيسةٍ سمع الصبى أصوات صلاة وترتيل، فدخل، وبقى إلى غياب الشمس، وقبل أن يعود سأل عن موطن دينهم، فأخبروه أنه بالشام!
فلما سمع أبوه "خشقودان" بخبر ذهابه الى الكنيسة حبسه وقيّده بالسلاسل، فأرسل الصبى "مابه" إلى النصارى يرجوهم أن يُخبروه بموعد سفر وفدٌهم إلى الشام، فلما اخبروه مشى مع تجار المدينة،.. وفى دمشق سأل عن أفضل أهل هذا الدين علما، فقيل له: أسقف الكنيسة، فقال له: إنى أحببت أن أخدمك وأتعلم منك، فوجده يأمر بالصدقة، ثُمّ يأخُذها لنفسه، ولما مات وضعوا مكانه أسقفا لم ير الصبى مثل أخلاقه، فلما حضرته الوفاة قال له الصبي: إنى كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصى بى وبما تنصحنى؟ فقال الأسقف: والله ما أعلم أحدا إلا رجلا بالموصل، فذهب الصبي "مابه" إليه ، وحكى له حكايته، فقال له: عش واعمل وتعلم، وبعد فترة أصابه المرض، فدخل عليه الصبى، وقال له: يا سيدى حضرتك من أمر الله ما ترى، الى من توصى بى، فامره صاحب الموصل برجل صالح فى نصيبين، فمشى اليه فوجده خير الرجال، وعاش فى خدمته، فلما حضرت الوفاة هذا الرجل الصالح أشار على الصبى "مابه" أن يأتى رجلا فى عمورية بأرض الروم، فبلغها ووجد صاحب عمورية جديرا بالوصية، أقام عنده وسمع فى حضرته أنه قد أطلت ريح نبى آخر الزمان، فلما مرض صاحب عمورية، أوصاه عند موته بالذهاب إلى قرية فى أرض العرب يقال لها "يثرب"، بها نخل وأهلها يعبدون الأوثان، حيثُ سيُبعث فيها نبيّ آخر الزمان، وذكر له علاماتُ نُبوّته، وهى أنّه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة!
فوهب كل ما معه من غنمٍ وبقر إلى تجار من بنى كَلب، بشرط أن يصطحبوه معهم إلى يثرب العرب، فوافقوا، لكنهم غدروا به منتصف الطريق وباعوه عبداً ليهودى من بنى قريظة فى وادى القرى بيثرب، فعاش فيها رقيقا عاملا فى نخل مولاه!
وظل الصبى يخدم مولاه اليهودى سنوات ، لم يجد فى يثرب ما يسليه عن سوريا المتمدنة ولا عن قساوستهم الأتقياء، ولم يؤذ من تعصب اليهودية بأقل من تأذيه بوثنية العرب، حتى كان يوم جاء رجُلٌ يُخبر سيده اليهودى سرا بأن رجلا حل بقباء جالسٌ بين أصحابه.. وأنّه يدعى محمدا ..ويخبرهم بأمر نبوته، فلمّا سمع الصبى "مابه" هذا الخبر.. تسلل ومعه صرة من التمر الى حيث يقيم من يدعى "آخر الأنبياء"، فأخبره أنّه أحضرها صدقة لبعض الفُقراء من أصحابه، فلما أخذها محمد وزعها على جلسائه ولم يأكُل منها؛ فقال الصبي فى نفسه: تلك العلامة الأولى - أنّ النبيّ لا يأكل الصدقة - ثُمّ رجع إليه الليلة التالية وقال له: وهذه التمرات هديةٌ خالصة لك، فأكل منها ووزع منها على من حوله، فتحقّقت عند الصبى العلامة الثانية «يأكل الهدية» التى أخبره بها راهب عمورية ، ثُمّ مشى خلفه فى جنازةٍ يتحسس بين كتفيه، فأدرك مُراده محمد، وكشف له عن خاتم النُّبوة، فلما رآه بكى وقبله، وذهب إلى سيده اليهودي يطلب منه العتق والتحرير، فقبل بشرط أن يغرس له خمسُمائة من النخل، مع أربعين أوقيّة من الذهب، ثُمّ ذهب يطلب العون من النبيّ ..فأخبر الصحابة أن يُعينوه للوفاء بعقده لليهودى فتبرع أحدهم بالذهب وجمعوا له النخلات وتول النبيّ وضع النخل فى الحُفر!
…
وهكذا.. وصل الصبي "مابه" إلى الحقيقة.. وأشهر إسلامه وصار اسمه سلمان الفارسي (٥٦٨ م.- ٦٥٤م . ٣٣هـ )، واستحق ان يخصص لسيرته المستشرق الفرنساوي دور منجم، الفصل الأول من كتابه حياة محمد، الذي ترجمه عادل زعيتر واستحق سلمان ان يكنى في المدينة المنورة بـ أبو عبد الله، وابن الإسلام، وسلمان الخير، وقال عنه رسول الله: "سلمان منا آل البيت"، ورفع شأنه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته حين قال: "السُّبَّاقُ أربعةٌ .. أنا سابقُ العربِ وصُهيبٌ سابِقُ الرُّومِ وسلمانُ سابِقُ الفرسِ وبلالٌ سابقُ الحبش"!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية