تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > رجب البنا وأدباء دمنهور .. فى السجن!

رجب البنا وأدباء دمنهور .. فى السجن!

الحياة ليست ما عاشه المرء مهما كان مثيرا وغريبا دراميا لكن الحياة هى ما يتذكره لكى يرويه، وما لم تحكه هى سنوات أيام ضائعة، فهذه الدنيا نعيشها لنرويها، هكذا قال الأديب الكولومبى جارسيا ماركيز، وهذا بالضبط ما فعله الأستاذ رجب البنا الذى ننشر الحلقة الثانية عن كتابه «ذكريات أيام حلوة وسنوات ضائعة» حين جلس إلى مكتبه وكتب قصة حياته عبر سنين عمره التى تجاوزت الثمانين بنفس راضية وأسلوب هادئ كطابعة ولغة حكى سلسة مبطنة بالسخرية الناعمة، كان مسئولا عن صفحة الرأى بالأهرام ومسئولا بالدسك المركزى ثم انتقل الى رئاسة دار المعارف ورئيسا لتحرير مجلة أكتوبر خلفا لـ أنيس منصور وصلاح منتصر، دون أن يضطر لمزاحمة أحد على اى منصب ودون أن يطرح اسمه فى بورصة صالة التحرير، كما جرت العادة، بل كانت الأماكن والمناصب والمسئوليات هى التى تطارده وهو يضع غمامة على عينه ينظر فقط إلى هدفه ، وكل مؤهلاته هدوء النفس وثقافة رفيعة وعلاقة جيدة جدا بشيخ الأزهر جاد الحق، ومن بعده محمد سيد طنطاوى، وبنفس الصداقة والمودة كانت علاقته مع البابا شنودة وخليفته البابا تواضروس الثانى، والطريف أن ما كان ينصحنا به ونحن شباب نلتف حوله «كن كالحمار احترم الغمامة التى وضعتها على جانبى رأسك لا تدع شيئا يشغلك عن مواصلة السير للأمام إلى أن تصل إلى هدفك»!.

 

ورث الاستقامة والثبات عن مدينته التى ولد بها دمنهور وهى من المدن القليلة فى الدنيا التى لم تتغير حدودها منذ خمسة آلاف سنة حين كانت معبدالإله حور (تمى ان حور) ولم تكن طفولته غنية بل راضية، كانت الحياة فى الثلاثينيات والأربعينيات قاسية والناس حفاة والموت المبكر يخطف الشباب، لكن الفلاحين يتقبلون قدرهم باستسلام والأعمار بيد الله، وكانت الحكمة التى تعلمها فى صباه «ليس كل ما يطلبه المرء يدركه»

فى بدايته المبكرة مع القراءة وضع سيرة طه حسين أمامه، و«لصقت صورته على الحائط وقرأت الايام وكل ما كتبه واتخيل نفسى وقد أصبحت أديبا تنشر الصحف والمجلات إنتاجى أقلده فى أسلوبه ولغته وحديث الاربعاء، حتى إننى كنت مستعدا لأن يكرمنى الله واصبح اعمى فى يوم ما، سافرت إلى القاهرة لكى أرى طه حسين وسألت عن مكتبه ووقفت على البعد وشاهدته وهو يصعد ويهبط من مجمع اللغة العربية، لم أحدثه لكنى عدت ممتلئا بهذه الإطلالة!

كان المفكر الكبير عبدالوهاب المسيرى رفيقى بالميلاد والدراسة، لكنى فى الثانوية العامة شدنى الحنين لأن أكون عضوا على رصيف قهوة عبدالمعطى المسيرى، ولا علاقة له بعبدالوهاب المسيرى، هذا المثقف البارع الذى لا يحمل أى شهادة لكنه يتمتع بعلاقات واسعة بين الأدباء والعلماء والأطباء والطلاب والعمال، عندما ذهبت اليه مشتاقا، وجدته يسألنى ماذا قرأت اليوم، وفى يوم أعطانى ورقة بيضاء وقال اكتب مقالا، بخط مرتعش كتبت مقالا عن معاناة الأهالى فى دمنهور، وقدمته إليه وأنا أفكر فى الهرب من أمامه، قرأ المقال ثم أعطاه لعامل المطبعة الملحقة بالمقهى، وخرجت من المطبعة وفى يدى نسخة من مجلة المستقبل، وأنا رافع الرأس وحققت أكثر مما كنت أحلم به رأيت المسيرى وجلست إليه لساعات واستمتعت منه بأفكار جيدة، وكتبت مقالا ورأيته منشوا فى مجلة سوف يقرؤها الناس غدا فى دمنهور، والأهم؛ ربما يقرؤه طه حسين! وفى المقهى أسسنا جمعية أدباء دمنهور وكنت سكرتيرها العام يلتقى فيها الادباء والخبراء وتدور كل ليلة مناقشات وحوارات حول كتاب جديد نناقش أفكاره أو حول قصة أو مقال وكثير، وأقمنا ندوات فى المساجد وفى الكنائس! وقلنا إن وظيفة الأدب أن يرقى بالإنسان لذلك عقدنا ندوة فى السجن، وكانت المفاجأة الكبيرة حين فوجئنا بعد يوم بأن بائع الجرائد ينادى «أدباء دمنهور فى السجن» ووجدنا العنوان بخط يد كمال الملاخ فى الصفحة الأخيرة من الأهرام سنة 1960، وانقلبت الدنيا تبحث عن هذه التجربة الرائدة فى صحافة المقهى، وبدلا من البحث عن الشهرة فى القاهرة جاءتنا القاهرة ومثقفوها تبحث عنا، من اول طه حسين وانت طالع، وفى يوم فوجئنا بمقال بمجلة المجلة التى يرأس تحريرها يحيى حقى ويكتب عن تجربة مقهى المسيرى فى دمنهور!

استدعى المسيرى للتحقيق فى مكتب وكيل النيابة توفيق الحكيم لأنه طالب وقتها بتغيير اسم شارع الملك فؤاد إلى اسم أحمد عرابى، وهو الأمر الذى تحقق بالفعل بعد قيام ثورة يوليو، وجاءنا توفيق الحكيم ليكتب «يوميات نائب فى الارياف»، وذكر كثيرا من الكتاب مقهى المسيرى فى كتاباتهم مثل يحيى حقى، وزكريا الحجاوى، وإسماعيل الحبروك واستحق أن يقول عنه طه حسين إن عبدالمعطى أعطى قصة عظيمة فى أدب المقاهى؛ قصة فريدة فى الثقافة المصرية!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية