تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > تاريخ بالكاميرا.. وتاريخ «اتصرف يا عبدالحميد»!

تاريخ بالكاميرا.. وتاريخ «اتصرف يا عبدالحميد»!

فعلا كانت الصحف من آيات ذلك الزمان؛ فقد أوقعت الصدفة البحتة بين يدى عددين من مجلة يزيد عمرها على 55 سنة، تقدم شهادة لعشاق القراءة بين السطور، منها مثلا أول مسمار فى نعش الاتحاد الاشتراكى، وتوثق لنوعين من التاريخ؛ الأول التاريخ الشعبى «من تحت إلى فوق» بعيدا عن المصادر الرسمية، والثانى «من فوق لتحت» تحكم أحداثه نظرية: «اتصرف يا عبدالحميد».

المجلة التى صدرت فى أول أكتوبر يمر على مصر بعد هزيمة يونيو كان اسمها «الشباب العربى».. حرية اشتراكية وحدة، ثم صار اسمها فى أول يونيو بعد نصر أكتوبر «الشباب» مجلة نصف الحاضر وكل المستقبل.. بعد حذف كلمة العربي!. الطباعة على قد الحال والصور أبيض وأسود، لكن مقاطع الصور وتعبيراتها مذهلة.. الدموع فى العيون.. الترقب.. الذهول فى الوشوشة.. الفرح.. عضلات الشغيلة.. امتداد قامة الجندى وانتفاخ فم عسكرى المرور خلف الصافرة تنطق بحسم، لمست عبر صفحاتها كيف تحولت مصر بالانضباط رغم مرارة الانكسار وعانت من كتمة المواصلات والاتصالات وثورة التطلعات رغم الانتصار، أعادتنى لزمن افتقدته، والسبب بعد جماهيرية الموضوعات عدسة فنان مصور اسمه «صلاح أحمد» كان يعمل فى دار التحرير ويصور معظم أبواب هذه المجلة فى العصرين، يجيد اقتناص اللحظة المؤثرة والناطقة التى تدهش أى مخرج صحفى لاختيارها شاهدة على الحدث، أعادتنى عدسة صلاح أحمد الشقيانة بعد الهزيمة.. والعدسة الفرحانة بعد النصر، إلى زمن كنا فيه أسرى الاندهاش برؤية محمد يوسف كبير مصورى الأهرام وفاروق إبراهيم مصور السادات وأخبار اليوم، ومحمود عبدالفتاح مصور الحركة الأول فى الجمهورية وشريف سنبل مصور الباليه، وسمير الغزولى الذى عشق الأناقة بالوراثة عن والده مصور الملك فاروق قبل أن يخطفه مع صلاح أحمد بكنوزه ووثائقه الأستاذ إبراهيم حجازى ليدعم به «ملحق أبيض وأسود» فى مجلة الأهرام الرياضى!. ساعة كاملة من القراءة والفرجة الممتعة المفعمة بالحنين إلى زمن جنود الظل كان المصور الصحفى الموهوب يصنع الحدث الذى يبنى عليه المحرر أو المحقق الصحفى أو الباحث السياسى والمفكر تحليلاته وأحكامه، قبل أن تحاصر غريزة القراءة بسيل من صور الميديا الالكترونية الراقصة والناطقة والعريانة والملونة والمثيرة والمفبركة!.

وتشهد صفحات المجلة على عيون كانت ترصد تحولات المجتمع وتجيد قراءة أكثر صدقا للحياة اليومية؛ وتستخدم فيها عدسة الفنان لتقديم المناسبات فى شكل لوحة فنية يستوى فى ذلك النشاطات المدرسية والعلاقة بين الجنسين والفعاليات الفنية والعائلية كما تستوى تحقيقات تسجل «نبض الحياة على خط النار» مع وقفة عسكرى المرور فى محاولة جادة لضبط إيقاع الحركة فى الشارع وتقديمها تحريض القارئ على المشاركة ، وتعيش حتى تجعل قارئ اليوم يقرأ كأنه يشاهد!. على سبيل المثال ؛ فى عدد «أكتوبر» ما بعد الهزيمة يحقق «سيد الماحي» تحت عنوان «الغاضبون» عن مشكلة بطلها طالب الليسانس «عبدالعزيز شرف» من الأدباء الشبان فى مصر الذين ضيقت عليهم دور النشر الخناق فى القاهرة، بينما فتحت لهم بغداد أبوابها، ويشخص الأديب محمد جبريل المشكلة فى يأس أدباء الأقاليم من صعوبة التعبير والنشر، و اضطرارهم لهجرة الأرضية الريفية التى يجب أن يظلوا عليها، ويرى القاص محمد عبدالحليم عبدالله أن «الغضب سببه غرور الجيل القديم وتعاليه على كل جديد فى عصره مما أوقع البلد فى الضياع والاكتئاب، ويرى الفنان صلاح جاهين أن الحل فى منظمة الشباب عليها أن تتبنى أعمال الشباب وتمويلهم فقد مل الجيل الجديد الطرق على الأبواب وحانت لحظة الحقيقة لنضع حدا للغضب!.

أما فى عدد «يونيو» بعد النصر تحقيق مصر عن احلام المحافظات، فالجيل الجديد فى الغربية يحتفل بثورة يوليو تحت شعار حطموا القيود لنصل الى شباب بلا مشاكل و5000 طالب وطالبة يطالبون بالاعتراف بحقوقهم الطبيعية وهي: الحرية الموجهة والاستقلال الذاتى وحرية التعبير، وعدم التدخل الإجبارى من المنزل فيما يعنيه وما لا يعنيه، وفى هذا التحقيق يتنبأ الشاب «عبدالحميد حسن» بأن الشهور القادمة ستشهد مناقشات حياة أو موت حول الاتحاد الاشتراكى ولابد من حل!.

وانتهت سياحتى فى عددى المجلة، وبدأ التاريخ الرسمى من فوق لتحت، ففى شهر نوفمبر من نفس العام - 1974 - صار الشاب عبدالحميد رئيسا للمجلس الاعلى للشباب والرياضة فى حكومة عبدالعزيز حجازى.. وفى عام 1978 كان الاتحاد الاشتراكى العربى قد تم حله وأقيمت المنابر ثم الأحزاب، وصار عبدالحميد حسن وزيرا للشباب والرياضة، وحين تعرض النادى الأوليمبى والنادى الإسماعيلى لخطر الهبوط توسط المهندس عثمان احمد عثمان، فاستدعى الرئيس السادات عبدالحميد حسن، وقال له: احنا عندنا كم ناد فى الدورى يا عبدالحميد؟ أجاب: 12 يافندم، فأخذ الرئيس نفسا من البايب وأشار بيده: خليهم عشرين واللا تلاتين يعنى الدنيا هتخرب. اتصرف يا عبدالحميد!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية