تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
آمال بكير.. عطر الكتابة
صفحة عطر فى ديوان الأهرام الإنسانى يتعايش فيها الجمال والجدية، تحمل عنوان آمال بكير، لم تكن مجرد كاتبة المسرح والأوبرا والسيرك الأولى فى الأهرام بل حالة حضور إنسانى نادر، لا أنسى إجابتها عن سر حرصها على الأناقة يوميا؟
ـ من يحب الناس يقع لشوشته فى غرام الأناقة.. وهذه طبيعتى منذ كنت بنوتة صغيرة، كنت انهض من السرير فى لحظة، وأفطر فى دقيقتين، وأقضى أمام المرآة ساعتين، وأعيش بين الناس والأهرام عشر ساعات، لابد أن أظهر فى أبهى صورة، كلما شعرت بالعيون تصافحنى بإعجاب أعرف أننى صح، الحب الحقيقى أن تقدر نفسك أولا، رائع أن تضيف كل يوم محبا جديدا دون أن تخسر أحدا.. والأروع أن تلامس بحضورك القلوب.. ـ وهل تتعارض أناقة أمال بكير مع الجدية؟
ـ الاثنان صاحباى لا يمكن الاستغناء عن أحدهما، مهمتى أن أطير كفراشة بالجناحين معا، وهذه معادلة الجمال، وضرورة حياة فى صحافة الفنون والمسرح. وأسألها كيف ترين الماضى بعد أن أمضيت 60 سنة فى الكتابة؟ ـ أعشق النظر للماضى بقدر عشقى استلهام الدروس من أخطائى، استغرب كيف مرت السنون فى غمضة عين!
تحضرنى قعدة الدردشة مع صاحبتى فاطمة عبدالله، فى اول زيارة للأهرام عام 1959، قالت لي: محتاجين بنات فى القسم القضائى، وكنت متزوجة من حبى الأول والوحيد الضابط يوسف شكرى، ورزقنى الله بولدين عمرو وعلى، قلت لها ما يضرش، وقدمت شهادة ليسانس الحقوق وفى ذهنى أن شغلتى ستكون الدفاع عن الأهرام أمام المحاكم مثل مفيدة عبدالرحمن المحامية الشهيرة التى أجريت معها أول حوار فى حياتى، ثم أدركت أن محرر الحوادث والقضايا يعيش تراجيديا الحياة ونبض المجتمع، لكن بعد ثلاثة أيام استدعانى الأستاذ محمد حسنين هيكل وأمرنى أن أسلم نفسى للصفحة الأخيرة مع كمال الملاخ!.
كنا ثلاث بنات فى الأهرام، جاكلين خورى فى الترجمة، ومعى دخلت ليلى القبانى، وقبلنا بثلاث أيام دخل مكرم محمد أحمد فى الحوادث، قلت للأستاذ هيكل: كيف تعيننى بمبلغ 15 جنيها وتعين ابن دفعتى مكرم بـ 18، فرد الأستاذ بحضوره المميز: علشان انت أكثر شبابا، فضلت حتى عيد ميلادى الثمانين أسأل الأستاذ هيكل عن سبب التمييز بينى وبين مكرم حتى أسمع ضحكته وشهادته أننى أكثر شبابا!.
خطفتنى الكتابة الناعمة فى المسرح والأوبرا والسيرك والباليه ومشاهير المجتمع، وزادت مسئولياتى بعد أن صرت رئيسة برحيل الملاخ، وأضاف لى الأستاذ إبراهيم نافع مسئولية صفحة فنون، ومرت الأيام كما قالت أم كلثوم، ودارت حركة الأجيال فنسيت أبص فى الساعة، حتى تولى المسئولية زميلى، محمد صالح، فركزت كل كتاباتى عن المسرح فى ضيافة الموهوب الشاعر محمد أحمد بهجت..إلى أن قررت منح نفسى راحة إجبارية، وحاول الأستاذ عبدالمحسن سلامة إثنائى عن الانصراف فكانت إجابتى للجميع «المسرح غير المسرح والنجوم والقراء اختلفوا.. وشكرته واتخذت قرارى ولا رجعة فيه»!.
مازلت أذكر حين كانت آمال فى ضيافتى ورن جرس التليفون فى حقيبتها وحاولت تجاهله فأعاد الإلحاح، نظرت فى الشاشة، ومدت يدها وأخرجت أجندة التليفونات بأصابع تتحسس طريقها الضبابى بين صفحاتها، وطلبت أن أساعدها فى فتحها على حرف السين، هالنى ما رأيت، ووقعت فى غرام أجندتها من أول نظرة، وسألتها: عادة الناس تكتب الأسماء تحت بعضها من أعلى إلى أسفل حتى تمتلئ الصفحة، فتقلب صفحة جديدة، وأجندة جديدة، لكن أمرك غريب يا آمال: كيف تكتبى أسماء مصادرك فوق بعض، بالفلوماستر الأحمر فوقه اسم آخر الجاف الأزرق وتحتهما على نفس السطر اسم ثالث بالجاف الأسود، فى صفحة حرف السين قرأت بالقلم الأسود وجدت سعد أردش ونمرته خمسة أرقام وفوقه سعد الدين وهبة، وبجواره بنفس السطر سميحة أيوب ونمرتها ستة أرقام وفوقهما على نفس السطر سمير خفاجى، بالأزرق، وأحدث الحروف بالأحمر فوقهم سهير حلمى نمرة موبايل 11 رقم، وسألتها هل من قلة الورق، لماذا لا تغيرى صفحة جديدة وأجندة جديدة؟ فردت باستغراب: أنت عاوزنى أرمى عمرى الأجندة دى عمرى، لم أغيرها فى شبابى حين كنت أستطيع نسيان ساكنيها، الآن صاروا أجيالا فوق أجيال، أحيانا أختلى بها وتخذلنى مشاعرى وأتذكر نبرات الصوت والضحكات، وجمل الغزل التليفونى من أحباب فارقونى!
آمال تعشق الأجندة والخضار السوتيه وعصير الرمان والعيش بالردة، وسيارتها الفولكس، لم تفارقها منذ ستين سنة، قالت: العشرة مثل المشاعر لا تشيخ بطول العمر.. تزداد الذكريات عذوبة وطعمها ولونها يزداد نضارة، انقطعت آمال بكير عن الأهرام منذ ثلاث سنوات فغاب عنا جمال الروح والحضور، والدروس وعطرها الذى يمنحنا الطاقة والمدد والبهجة!.
أرجوكى عودى إلى حياتنا مرة أخرى إن لم يكن للكتابة المسرحية فإلى منصات التتويج والتكريم وأتمنى أن تكرم آمال فى عيد الأهرام الـ 150. وكل سنة والأهرام بخير وسلام.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية