تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الصحافة المدمجة.. «نيولوك» كليات الإعلام!!
انتشلنى مقال "الطباعة لم تمت" للكاتب المتميز الأستاذ عبدالله عبدالسلام من بئر الإحباط، إلى طريق الأمل، حين كتب فى الأهرام أن الصحف المطبوعة تنتعش فى أنحاء العالم، لكنه لم يتطرق إلى مستقبل الصحف الذى يبدأ من كليات الإعلام، فقد تلقيت فى مساء نفس اليوم خبر إلغاء مادة تصميم المطبوعات بالحاسب الآلى التى يدرسها طلاب الصحافة فى إطار تحديث لائحة الكلية لمسايرة العصر، علما بأن تصميم الصحف الذى الغاه التحديث هو الباب الذى صنع منه الاستاذ جلال الدين الحمامصي قبل أربعين سنة المئات من اساتذة الصحافة الآن، و«تحديث اللائحة» الجديد أدمج قسم الصحافة مع قسم الإذاعة والتليفزيون باسم "الصحافة والإنتاج المتكامل"، وقسم العلاقات العامة والإعلان صار اسمه قسم الاتصالات التسويقية، وبقى قسم الاتصال المرئى الذى يهتم بالصحافة الالكترونية والتواصل الاجتماعي كما هو باعتبار أنه أحدث الأقسام!
وهكذا ألغى قسم «الإنتاج المتكامل» مادة تصميم المطبوعات الورقية وألقى مستقبل الصحيفة المطبوعة فى غيابة جب الصحافة المدمجة، ومعه مواد إذاعة ومواد صحافة، وصرنا «كلنا إعلاما متكاملا»، لإعداد الصحفى الشامل الذى يجيد الكتابة والتصوير والمونتاج، والتعليق والإلقاء الصوتى ويخرج الخبر من "يده للمستهلك"، دون حاجة لإعادة الصياغة أو التصحيح!
ويبقى سؤالى معلقا إذا كنا نعانى الآن فى المؤسسات خريجين لا يجيدون صنعة واحدة وهى الكتابة ولا يعلمون أخلاقيات النشر؛ فكيف إذا أضفت لدراسته «سبع صنايع» بأعباء التصوير والمونتاج والصياغة والتعليق التليفزيونى والإذاعي !
وطالما لدينا بوابات إلكترونية وإذاعات وصحف ورقية مطبوعة؛ لماذا لا يطبق مفهوم الصحفى الشامل «رأسيا» فى إطار كل تخصص، مضافا إليه الفهم الصحيح لشرط الحرية فى تناول قضايا الناس وأخلاقيات صنعة الكتابة، والتفاعل مع مستهلك المنتج الخبرى، بالصورة والشكل البصرى والسرعة المناسبة حسب وسيط النشر؟!
فالرهان على الوسيط الرقمى وحده على حساب المطبوع، فيه خداع كبير، فالوسائط الرقمية التى نمت خلال السنوات الماضية بصورة غير مسبوقة، عاشت هذا العام أسوأ أعوامها، هذا ما كشفه ستيف واتسون الكاتب البريطانى ونشره عبدالله عبدالسلام فى مقاله ـ إذ فقدت الوسائط الرقمية فى بريطانيا وحدها 20 ألف وظيفة، وانتشرت الشكوى من الآثار الصحية للقراءة من شاشة المحمول؟!
ومحصلة الابحاث العلمية تقول إن القراء يثقون بالصحف الورقية فى القضايا الجادة والأزمات والحروب أفضل من الرقمية، فى حين أن الصحف الالكترونية تصلح للتسلية وللمضمون الاجتماعى والفنى الخفيف، وفى مصر ارتبطت المواقع الإلكترونية مؤخرا بالفضائح وانتهاك الخصوصية، وهو مؤشر يؤكد إمكانية استعادة الصحف المطبوعة مكانها ومكانتها، باعتبارها المؤهلة لكي تكون الأكثر التزاماً بالقيم المهنية، ويمكنها التعايش مع العصر الرقمى الجديد شريطة استيفائها التفاعلية والسرعة!
وعن سر ترك منهج الوسيط المطبوع و«الهرولة» نحو الصحافة المدمجة فى الجامعة، كشف لى الدكتور حماد إبراهيم أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ان كلمة «مدمجة» معناها الانجليزي: انتجريتد وهو مفهوم عسكرى سيئ السمعة ورد الينا خلال الحرب الأمريكية على العراق عام 1991، حين اصطحبت عاصفة الصحراء كتيبة من المراسلين العسكرين لزوم الوجاهة الإعلامية لكن قادة الميدان قرروا ألا يكتب المراسل العسكرى ما يراه، فطالما يتبع القوات فى حركتها وعلى نفقتها فهو مراسل "انتجريتد" مدمج فى وحدة عسكرية، ولابد ان يوافق رئيسه القائد العسكرى على ما يكتب، لأن ما يكتبه جزء من المهمة العسكرية، فلا يصح للصحفى ان يكتب ان القوات فشلت فى تحقيق هدفها قد يرى القائد تعبير "انها غيرت أهدافها"، وحرية المراسل تعنى ان يختار بين ان يكون مدمجا أو يستقيل!
بعض الصحفيين عاش جنة "الإنتجريتد" وسط عاصفة الصحراء، لكن أحدهم رفع قضية أمام المحاكم «بأن هذا يتعارض مع حرية الصحافة كما حددها الدستور الأمريكى وفوجئ بقرار المحكمة: أن حكومة الولايات المتحدة ملزمة بالحرية داخل بلدنا فقط، أما على الأراضى الخارجية التى تقع فى مناطق العمليات، فالقرار فيها للجيش الذى لا يسأل ولا يحاكم عن أفعاله!
.. وما علاقة هذا المفهوم فى صحافتنا الآن، يجيب الدكتور حماد بدبلوماسية: أرجو أولا ألا تكون "الرقمنة" شعارا براقا للتحايل على الأجيال الجديدة وتعبير الصحافة المدمجة، لابد أن يصحبه حرية حقيقية فى تأهيل الخريج لممارسة المهنة حسب تخصصه.. مطبوعا أو مرئيا أو مذاعا، كما أرجو ثانيا ألا يتحول إلى نيولوك ويافطة جديدة فى سوق الإعلام!
ومن حسن الحظ أن نقابة الصحفيين تبدأ هذه الأيام المؤتمر العام السادس للصحفيين وحتما ستكون أهم أولوياته هو مستقبل الصحافة الورقية والإلكترونية، أرجو قبل ان تطالب بحريتها فى تغطية الجنازات والأفراح «الخاصة» ان تستمع لأساتذة الاعلام وتجيب على سؤال: لماذا أوقفت المؤسسات الرئيسية استقبال خريجين جدد منذ أكثر من عشر سنوات، وما مصير خريجى ٥٠ كلية ومعهدا وشعبة صحافة، وهل عمليات الادماج والتكامل واللوائح الدراسية هو ما تحتاجه سوق العمل الاحترافية بالفعل أم هو مجرد تغيير يافطات وانصياع لـ «عاصفة صحراء الكترونية» وحكم بالإعدام على «ميت» اسمه الصحف الورقية والمطبوعة؟!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية