تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
السيدة خديجة الشاهد الأول في ليلة القدر
هدتنى روحانيات ليلة القدر الى تأمل دقات قلب السيدة خديجة بنت خويلد قبل خطبتها الى محمد بن عبدالله (عليه وعلى زوجته الصلاة والسلام)، ووجدتنى أتساءل: كيف أتى علينا حين من الدهر حرمت المرأة اختيار خطيبها أو رؤيته قبل أن تنتقل الى «سجن» الزوجية، ولماذا لم نتعلم من سيرة السيدة التى ارتبط اسمها بليلة القدر التى هى خير من ألف شهر؟.
إنها قصة زواج حضارية بين أعظم سيدة أعمال الى مَن صار خاتم رسل الله.. كما وردت فى كتابين يحملان نفس الاسم حياة محمد, الأول للمستشرق الفرنسى دورمنجم وترجمه محمد عادل زعيتر، والثانى للمفكر المصرى محمد حسين هيكل!.
اتفقت السير على أن خديجة كانت غنية يتسابق على ودها أغنياء قريش ـ بعد زيجتين سريعتين ـ ترفض الجميع وتتفرغ لتجارتها حتى بلغت الأربعين، فيدق قلبها لفتى فى الخامسة والعشرين يتيم ..فقير.. أمى .. راعى غنم ..ليس له اسم فى مكة إلا "الصادق الأمين" ، متمرد على آلهة قريش وعبادة الأصنام!
بدأت حكايته معها حين كاشفه عمه أبو طالب: يا ابن أخي.. أنا رجل لا مال لي.. وقد اشتد الزمان علينا.. وألحت علينا سنون منكرة.. وخديجة بنت خويلد تبعث رجالًا من قومك فيتجرون لها فى مالها، فلو جئتها لأسرعت إليك!.
ثم يذهب عمه إليها: فقد بلغنا يا خديجة أنك استأجرت فلانا "ببكرين" ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار!
ولم تنتظر خديجة بل أرسلت إلى محمد: إنه دعانى إلى البعثة إليك ما بلغنى من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطى رجلاً من قومك، فعلم ابو طالب بما جرى، وبشر ابن اخيه: أن هذا رزق ساقه الله إليك!.
ويخوض محمد أول اختبار "عملى" .. فسافر بتجارة خديجة تحت عين غلامها ميسرة، فلما عادت القافلة على مشارف مكة أسرع إلى خديجة، وكانت فى عالٍ من منزلها، تترقبه فرأته فنزلت وأصغت الى حديثه عن تجارتها، وما جاء به من بضاعة، ولم يهمها أنها ربحت ضعف ما كانت تربح من قبل، لكنها كانت مأخوذة بحلو عباراته وسحر بلاغته، ثم انتقلت لتسمع "الرواية الأخرى" من ميسرة، فحكى عن محمد ورقة شمائله وجمال نفسه واحترام التجار له، ورفضه القسم على اللات والعزى، ونبوءة الراهب (بحيرى) حين قابلهم فى بصرى جنوب الشام عن علامات النبوة عند محمد التى وجدت فى موسى، وطلب ألا يوغلوا فى الشام حتى لا يعرفه اليهود.. فانقلب إعجابها حبا جعلها وهى التى رفضت من قبل أعاظم قريش تود وهى فى الأربعين من عمرها أن تتزوج من هذا الشاب الذى نفذت كلماته إلى أعماق قلبها، وأرسلت إليه صديقتها نفيسة - وفى رواية أخرى ميسرة - فسألته:
ـ ما منعك من الزواج يا محمد؟
ـ قال ما بيدى ما أتزوج به!.
ـ فقالت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة هل تجيب؟ ـ قال: فمن هى؟
ـ أجابت بكلمة واحدة: خديجة!. قال محمد: وكيف لى بذلك؟
ـ قالت له نفيسة: اترك لى هذا الأمر!.
وعادت بمًوافقته إلى خديجة التى جاء ردها بالفرح وتحديد موعد الزواج رسميا وطلب عمه ابو طالب يد خديجة لابن أخيه!.
وطوال فترة عمله في تجارتها تحدث النبي عن مودتها وعن رقتها قبل الزواج: «ما رأيت صاحبة لأجير خيرا من خديجة»
وقد اختلف المؤلفان الى من تقدم ابو طالب بطلب يد خديجة؟
فبينما ذكر دورمنجم ان خويلد كان وليها وانه وافق على مضض تحت تأثير الخمر الذى كان يتجرعه، ذكر محمد حسين هيكل ان أبا طالب تقدم الى عمها عمرو بن أسد لأن والدها خويلد كان قد مات فى حرب الفجار!.
ورغم ميلى لرواية الدكتور هيكل التى نشرها بالأدلة والأسانيد التاريخية، فان خديجة بادرت لخطبة محمد بنفس طريقة ابنة شعيب التى عادت الى البئر تمشى على استحياء تستدعى موسى وكان فى حيرة بعد ان دعى الله لا يعرف اين يذهب وقالت: (إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا)، وفى البيت همست بـ «الوحي» الى والدها بنفس الاستحياء تحثه على اتمام عقد الزواج بها مقابل ثمانى حجج: (إن خير من استأجرت القوى الأمين).. وعلى استحياء ايضا اتخذت خديجة قرارها بــ"وحى" الى عقلها وقلبها ان تتزوج محمد ـ الذي كان يبحث عن الله الواحد ـ ولن يغير ما قُدَّر لها أن يكون خويلد ميتا أو مخمورا.
وتم هذا الزواج الذى دفع فيه ابو طالب ٢٠ جملا، وانتقل محمد للإقامة فى بيت أهلها ثلاثة أيام على عادة العرب قبل انتقاله الى بيته.. وانجبت له البنين والبنات حتى مشارف الخمسين، ثم كانت "البعثة" ليلة القدر حين عاد من خلوته فى غار حراء وحكى لها عن جبريل الذى أتاه بكتاب، وقال له: اقرأ يا محمد، فقال: ما أنا بقارئ، وكررها جبريل حتى سأله محمد: ماذا أقرأ؟ فقال: (اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق،اقرأ وربك الأكرم الذي علم الإنسان مالم يعلم)، وحين حدثها بما رأى مفزوعا خائفا قالت: «أبشر يابن عم واثبت أرجو ان تكون نبى هذه الأمة .. والله لا يخزيك الله ابدا»!.
وكانت خديجة - التى نزل جبريل يبشرها بقصر فى الجنة - أول من آمنت من البشر بما انزل على محمد نبيا ورسولا ، وكتبت بمواقفها كزوجة داعمة ومؤمنة ومحبة لـ "الصادق الأمين" الصفحة الأعظم فى تاريخ الانسانية!.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية