تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > أسطورة التلميذ الطويل الأسمر!

أسطورة التلميذ الطويل الأسمر!

يحكى أن تلميذا صغيرا كان يجلس فى آخر الصف، وحدث أن دخل الفصل مفتش اللغة العربية، وبعد أن استمع لشرح المدرس عن الجملة الاسمية سأل التلاميذ: من يضع كلمة «كتابة» فى جملة مفيدة بشرط ان يكون موقعها فاعلا، وعجز كل من أشار إليهم عن تكوين هذه الجملة، وبلل العرق وجه المدرس خجلا، وعندما جاء الدور على الولد الطويل الأسمر الذى يجلس فى آخر الصف فأجاب: ظهرت كتابة القرآن واضحة فى الصفحة،
فأمر المفتش أن يصفق له الجميع.. وانصرف!

‏وبعد انصراف المفتش طلب المدرس من هذا التلميذ أن يضرب كل تلميذ من زملائه البلداء ضربتان بالعصى لعدم معرفتهم الإجابة الصحيحة، ورفض التلميذ أن يضرب زملاءه،  وتكرر الأمر وتكرر إصرار التلميذ على رفض ما طلب المدرس منه؛  فأمر المدرس اذ لم يضرب زملاءه أن يضربه كل تلميذ عصوين، وصمم التلميذ الأسمر على موقفه، وتحمل أكثر من 60 عصا فوق يديه من زملائه!!

 ومنذ تلك اللحظة تحول هذا التلميذ واسمه جمال عبدالناصر حسين إلى زعيم للفصل يلعبون إذا لعب، يتوقفون حينما يتوقف، وصار هذا الموقف هو الأسطورة التى تحكم حياة جمال عبدالناصر ، ضابطا محاصرا فى حرب 48 وقائدا لثورة 23 يوليو ورئيسا، ومؤمما للقناة وبناء للسد العالى والنهضة الصناعية والتعليمية ومهزما ومتحديا لروح الهزيمة !

اتصلت بالكاتب محسن عبدالعزيز مؤلف الكتاب المهم  (أساطير شخصية ـ صعود الآلهة الصغيرة ودراما التاريخ) بعد أن قرأت الكتاب فى ليلتين معجبا بالمنهج الجديد الذى اتبعه فى محاولة تفسير محددات وأساطير التى تجكم تصرفات الشخصيات المصرية الفاعلة والبارزة فى السياسة والادب والفن والتاريخ ، من خلال الأسطورة التى حكمت حياة كل منهم، وسألت المؤلف محتجا كيف تضع «مصر تبحث عن أسطورتها قبل فصل محمد على وأسطورته السباق فى بحر متلاطم، وكأن محمد على الألبانى هو بداية تاريخ مصر؟

أجاب محسن بإقناع بأنه يقصد بداية التاريخ الحديث الذى نعيش توابعه الآن، لكن مصر دولة غريبة وقديمة جدا تحكمها مجموعة أساطير حتى من قبل التاريخ المكتوب.. إذا ما اكتشف أى حاكم مفاتيحها تصبح دولة عظيمة فى سنوات قليلة، فى العلم وفى البناء والقوة والتقدم، ولكى تصبح سيدة الدنيا وأصل الحضارة!

قليلون هم الذين اكتشفوا هذه الأسطورة من السهل أن تعرفهم وتشير إليهم وتمسك تجربتهم ونتائجها بيدك،  وأنا شخصيا أضع من أهم الأساطير الملكة العظيمة "تيتى شيرى"  التي تحكمها  أسطورة "تحرير الوطن" وهي زوجة الملك تاعا الأول جد الملك أحمس أم السلالة التى حكمت مصر فى آخر الاسرتين السابعة عشرة والثامنة عشرة ، ومما يروى عنها أنها نصحت أولادها "لا تبك على أبيكِ أو زوجك ولكن ابكِ على بلدك" .. ونصحت ابنتها: قولى لابنك لن تكون ولدى حتى تحرر بلدى،  

فكانت الأم هى بداية التحرير والمثل المحفز طوال رحلة الكفاح ضد الهكسوس ، فلا عجب إذا وجدناها قدمت أولادها واحدا وراء الآخر قربانا للتحرير!

وفى آخر حياة الملكة تيتى شيرى ‏كان أحمس طفلا صغيرا فشاهد أمه الملكة "اعح حتب" تزور الناس فى البيوت تبث فيهم الحماس للمشاركة فى الحرب وجمع التبرعات لطرد الهكسوس وعندما تعلم الكلام وسأل عن أبيه سقنن رع عرف أنه أول شهيد قدمته مصر فى حرب التحرير!

فتكونت أسطورة التحرير داخل كل ذرة من كيان الطفل الصغير حين ذهب إلى المدرسة تعلم مع القراءة والكتابة فنون ومسرح الحرب فكانت الأسطورة تتجه للاكتمال، أخذ من جدته الحكمة والخيال ومن أبيه الشجاعة ومن أخيه البطولة ومن أمه الجرأة، وقبل الذهاب إلى المعركة الحاسمة والنصر على الهكسوس، جمع الجنود أمام القصر ووقفت أمه تخطب فيهم قائلة إن الأسلوب الوحيد للحصول على السلام وانتزاعه يكون بواسطة الحرب!

ومن أسطورة أحمس "المحارب" إلى أسطورة "المجد" التى سطرها رمسيس الثانى أكثر الملوك شهرة فى التاريخ.. ينتقل المؤلف برشاقة من أساطير حتشبسوت واخناتون "التوحيد" وإيزيس وأوزوريس وكليوباترا أسطورة "المكائد" … وصولا الى محمد على وأسطورة "السباق"، وسعد زغلول "المقامر"  وأنور السادات "الفن"!

وأقاطع المؤلف: إذا كان كل حاكم فى الأساس انسانا، ‏ولكل إنسان لحنه الخاص أو أسطورته التى تحكم مجرى حياته وحياة الشعب بالتبعية، فما هى أسطورة مصر نفسها؟ 

تحيلني إجابته إلى جمال حمدان الذى كان اسطورته "الخريطة" ، فالموقع الجغرافى حكم أسطورتها "إما القوة او الانقراض" ، إذ صارت مصر قوة عظمى تسود المنطقة وتنتعش بقوتها.. وإذا ضعفت وتوارت تحاصر بالمكائد ويتداعى عليها الجميع أعداء وأشقاء وابعدون وأقربون وزنوج وبيض ويحاربها حتى الاحباش..  علََمت الخريطة جمال حمدان أن لكل شيء حدودا صارمة يجب ألا تتخطاها او تغفل عنها!

وهذه هي  الأسطورة التي حكمت جمال عبدالناصر .. الذي ظلت أسطورته طوال حياته "أن يعرف الإجابة الصح" ويتصرف ويتحمل الضرب مهما كان الثمن!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية