تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > «فيمتومتر» بين الألم والأمل!

«فيمتومتر» بين الألم والأمل!

وضعنى قارئ الأهرام العتيد أحمد حسن حماد ابن طنطا فى موقف يحسد عليه أى كاتب، حين أبدى تفاعله مع مقالى الماضى «المسافة صفر..نظام حياة»، وطلب أن أوصل نداءه إلى الأستاذ عبدالمحسن سلامة ليتبنى الأهرام احتفالية لتكريم الصحفيين والمصورين والمراسلين وحتى العمال الذين يؤدون عملهم من المسافة صفر فى مشروعاتنا القومية، ومعهم الإعلاميون الصامدون داخل قطاع غزة بعد أن تنقشع الحرب، لكنه أدهشنى بسؤال: كيف تكون المسافة صفر موت وحياة فى نفس الوقت؟!. 

فأجبته بامثلة ساخنة من وحى الأحداث.. مثلا إصدار مجلس الأمن  القرار رقم 2722 حول غزة وإسرائيل، الذى يدعو إلى «اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ودون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية».
والقرار لم يطلب وقف إطلاق النار مما يستحيل تنفيذه تحت نيران الجيش الصهيونى، أى أن القرار يسمح بأن يشرب ويأكل  الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيون ليظلوا على قيد الحياة حتى يموتوا بقذائف العدوان وصواريخه وجرافاته، ورغم هذا القرار صار من حق ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية فى مجلس الأمن ليندا توماس أن تفخر بأن بلادها «عملت بلا كلل للتخفيف من هذه الأزمة الإنسانية» ولكن ليس من أجل إخراج الرهائن من غزة أو تحقيق سلام دائم، ولكن لإطالة أمد الحرب للسماح لجيش التطهير العرقى قتل الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء بدم بارد حتى لو ادى استمرار القتال إلى قتل جميع الرهائن الاسرائيليين والأجانب!.

انه قرار يمثل لحظة ابتزاز فاضحة لمجلس الأمن بصياغة أمريكية معناها ارتباط الحياة مع القتل «من النقطة صفر» دون هدنة أو وضع إطار سياسى أو إقرار حق الشعب المحاصر فى مقاومة جيش الاحتلال رغم الهمجية والوحشية طوال اكثر من سبعين يوما لتفكيك حماس وتحرير الرهائن
!!. 
والتقاء الحياة والموت ببشاعة على أرض فلسطين جعل ناشطة أمريكية ترى أن حكومتها وحكومة إسرائيل تستحقان العقوبة التى وردت فى الآية 56 من سورة النساء (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ..) ورغم اختلاف الموقف فى الحالتين ففى الحالة القرآنية فإن النفوس فقط هى التى تتعذب فى الآخرة وفى عدالة تامة بأن الله تعالى كان عزيزًا حكيمًا فى تدبيره وقضائه، لكن الناشطة ترى استمرار هذا المشهد الدموى فى غزة الذى يهان به البشر على أيدى بشر وحكومات يضعون أنفسهم فوق الإنسانية يتجاوزون المساواة والمنطق والعدل الذى كرم بها الله الإنسان فى كل مكان!.
!!.
التقاء الحياة والموت أراه فى نجاح المقاومة الفلسطينية فى إلحاق خسائر كبيرة بجيش الاحتلال الصهيونى وإعاقة سيطرته الميدانية على الأرض بقدرات خارقة فى إعادة تدوير قذائف الموت التى ألقيت عليهم لتصبح أداة لتصنيع قذائفهم على العدو، كما أن المقاتل الفلسطينى يحرص على اصابة الهدف من أقرب مكان، لدرجة الالتصاق بالدبابة وجعل المسافة صفرا حرصا على دقة وصول المقذوف فليس لديه ترف إهدارها، ولأن إصابة الدبابة أو الجندى الصهيونى معناه أمل فى إنقاذ حياة العشرات من المدنيين الابرياء، والعكس إن لم يدمر المقاتل الهدف بالطلقة معناه أن تخسر المقاومة طلقة وستذهب الدبابة تقتله وتقتل العشرات من الأبرياء من أهله!.

والتقاء الحياة والموت من المسافة صفر صارت مبدأ مهنيا فرضته عملية طوفان الأقصى على أداء بطولي يخوضه الصحفى والمصور والمحلل العسكرى والطبيب والدفاع المدنى والمتحدثين الرسميين فى قطاع غزة الذين يمارسون حياتهم المهنية من قلب الأحداث دون تنظير استراتيجى أو نقل عن شهود العيان، وعرضوا حياتهم للخطر ومات منهم الكثير، لكنهم حققوا إنجازات مهنية ومصداقية لا تظهر أمام فداحة العدوان النازى وحجم الدمار!.  والعكس غير صحيح فلو أنهم يعملون فى ظروف مهنية وتنموية طبيعية بلا احتلال ولا عدوان ولا تحديات، ويؤدى كل واحد عمله عبر وسطاء من بعيد لبعيد من المؤكد أن النتائج لن تكون بنفس الإبهار فلا يوجد نجاح بلا تحديات، والتحديات ممكن تكون عدوا او مرضا او فقرا او فيروسا قاتلا ويكون الانتصار عليه هو الأمل الذى ولد من رحم الألم!. 

والتقاء الحياة والموت من المسافة صفر هو الكتاب الذى أدهشنى لمؤلفه الأديب الطبيب الدكتور جمال مصطفى سعيد استاذ الجراحة العامة والأورام بطب القاهرة ومؤسس صالون الجراح الثقافى، ويحمل كتابه عنوان "الألم والأمل" للقارئ ويحكى فيه بأسلوب ادبى سلس وسهل وممتع حكايات ومواقف وغرائب ومعجزات أبطالها، بشر من مختلف شرائح المجتمع يهوى بهم الألم فى الدرك الاسفل من المعاناة حتى لا يكون بينهم وبين الموت شعرة أو «فيمتومتر» ـ كما وصفها فى تقديمه الكاتب الكبير أحمد الجمال ـ حتى يتدخل مشرط الجراح فيولد معه الأمل ومنه يبدأ مشواره مع الشفاء بحكاياته التثقيفية ومفارقاته الملهمة تتفجر معارف قارئه بـ «سكة السعادة»!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية