تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > آن فتحى > هيبتا ٢… مناظرة بين العقل والقلب

هيبتا ٢… مناظرة بين العقل والقلب


في زمنٍ تتداخل فيه المشاعر مع الخوارزميات، ويختلط صوت القلب ببرمجة العقول، يجيء هيبتا ٢ ليعيد طرح السؤال الأبديّ بطريقة لم نعهدها من قبل: هل ينجو الحبّ حين يُحلَّل؟ وهل يظلّ إنسانياً حين يدخل الذكاء الاصطناعي على الخطّ؟
الفيلم لا يُعيد الحكاية، بل يُعيد تعريفها.
فالعلاقات هنا ليست مجرّد قصص حب، بل تجارب وجودية تُختبر فيها العواطف أمام أعين التكنولوجيا الباردة.
في المناظرة بين “سارة” و”أسامة”، لم يكن الصراع بين امرأة ورجل، بل بين قلبٍ يؤمن بالتجربة وعقلٍ يطالب بالمنطق.
كانت المواجهة بين الإنسان بكل هشاشته، والآلة بكل دقتها، بين من يرى الحبّ معجزة ومن يراه معادلة.
ومع ذلك، لم ينتصر أحد.
لأنّ الحقيقة — كما يوحي الفيلم — أن الحبّ لا يعيش إلا على حافة الصراع بينهما.
فحين يعلو العقل يختنق ، وحين ينفلت القلب يُدمَّر، ولا سبيل للبقاء إلا في توازنٍ مؤلمٍ بين نداء الروح وصوت الوعي.
لكنّ هيبتا ٢ لا يكتفي بالطرح الفلسفيّ؛ بل يقدّم عبر كلّ حكايةٍ مِرآةً لجيلٍ يحاول أن يحبّ في عالمٍ ذكيٍّ أكثر مما ينبغي.
جيلٍ يُحمِّل “الأبلكيشن” مسؤولية اختياراته العاطفية، ويبحث عن شريكٍ مثاليٍّ بمقاييس الذكاء الاصطناعي، ثم يكتشف أن الكمال الرقميّ لا يدفئ قلبًا خائفًا من الوحدة.
الحبّ في هذا الفيلم يبدو كأنه تجربة مخبرية، لكنها — كما في الحياة — تنفجر دائمًا خارج المعمل.
لأنّ الروح لا تُبرمج، والمشاعر لا تُشفَّر، والحنين لا يُقاس بخوارزمية.
وهنا يبدأ العمق الحقيقي للفيلم:
أنّ ما نراه من قصص متشابكة ليس إلا مراحل متكرّرة من رحلة واحدة، يعيشها الجميع بوجوه مختلفة، وأخطاء متشابهة، وقلوب تبحث عن الأمان في أماكن خاطئة.
الحبّ، كما قدّمه الفيلم، ليس رواية رومانسية بل دروسٌ متفرّقة في الوعي والنضج، تُقدَّم على هيئة حكاياتٍ متشابكة، لكلّ منها بصمتُها ونصيحتُها ومرحلتُها العُمريّة.
ففي حكاية البدايات، حيث الانبهار أسرع من الفهم، نتعلّم أنّ ليس كلّ ما يُقال يجب أن يُقال، وأنّ الإفراط في الصراحة يُفقد العلاقة سحرها المبكر.
الغموض ليس لعبة، بل جزءٌ من الجاذبية، ومساحةُ الاكتشاف هي ما يُبقي اللهفة حيّة.
من الخطأ أن نضع قلوبنا كاملةً على الطاولة من اللقاء الأول، فالحبّ ليس مزادًا للصدق،
بل رحلةُ اقترابٍ تنكشف فيها الأرواح على مهل..
وفي مرحلة النضج، حين يتقدّم العمر وتثقلنا التجارب، نتعلّم أنّ الثقة لا تُمنح دفعةً واحدة، وأنّ الحذر ليس قسوة بل وعي.
فليس كلّ من يفهمك يستحقّك، وليس كلّ من اقترب يُؤتمن.
العلاقات التي تُبنى على التوازن لا على الاندفاع هي وحدها التي تصمد حين يتعب الشغف.
احمِ مساحتك، لا لأنك خائف، بل لأنّ من يحترم حدودك هو وحده القادر على أن يحبّك حقًّا.
أمّا في مرحلة ما بعد الجرح، فنفهم أنّ أخطاءَ الماضي وكسورَنا القديمة ليست هدايا نُقدّمها في أول حديث، ولا اعترافاتٍ تُلقى في حجر من نحبّ.
الشريك ليس معالجًا نفسيًّا، ولا مسؤولًا عن خيباتنا السابقة.
حين نحكي كلّ وجعنا مبكرًا، فإننا — دون أن نقصد — نسلّمه سلاحًا سيُشهره في أول خلاف.
التعافي مسؤوليتُنا نحن، لا واجبُ الآخرين تجاهنا.
وفي حكايات النضج الكامل، نتعلّم أنّ الهدوء لا يعني البرود، والابتعاد لا يعني الانتهاء.
أنّ الحبّ الحقيقيّ يزدهر حين يجد المساحةَ والاحترام، لا حين يُراقَب ويُفتَّش ويُختبَر كلّ يوم.
أنّ التعبير الصادق لا يحتاج إلى كلماتٍ كثيرة، بل إلى حضورٍ ناضجٍ يعرف متى يتكلّم ومتى يصمت.
وفي المرحلة التي تجمع كلّ ما سبقها — مرحلة الوعي — ندرك أخيرًا أنّ الذكاء لا يُغني عن الفطرة، وأنّ التكنولوجيا لا تستطيع أن تمنحنا ما يفعل القلب حين يطمئن.
الحبّ ليس تحدّيًا بين عقلٍ وقلب، بل هدنةٌ بينهما:
عقلٌ يحمي، وقلبٌ يجرّب، وحدودٌ تحفظ كرامتنا قبل مشاعرنا.
إن هيبتا الأول علّمنا مراحل الحبّ… أمّا  هيبتا الثاني فما هو إلا إعاده لتلك المراحل ، لكن بأدواتٍ أكثر ذكاءً وقلوبٍ أكثر تعبًا.
فهو لا يقدّم إجابة واحدة، بل يزرع فينا أسئلة كثيرة.
لكنّ أهمّ ما يفعله — دون أن يقولها صراحة — هو أنّه يذكّرنا بأنّنا رغم كلّ ما نعرفه عن الذكاء… لا نزال أغبى الكائنات حين نحب.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية