تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ما قبل رأس الحكمة

بدأت متابعتى بالاستثمارات المقدمة إلى مصر عام 2014 حين تابعت عددا من الشباب الإماراتيين يتابع حركة بناء عدد من صوامع لتخزين القمح فى جهات متفرقة من ريف مصر. كنت ، حتى ذلك الوقت، من المتابعين والناقدين بشدة للإهمال النسبى الذى يواجه الزراعة المصرية فى كل مراحلها بدءا من إعداد الأرض إلى جنى المحصول واستهلاكه. وكنت قبلا أتابع احد برامج التليفزيون المتابعة لحركة حفظ القمح فى الشون المكشوفة والتى تتم فى جوالات ومركونة فى الهواء الطلق والمغطاة بالأتربة وتعيش عليها العصافير والقوارض. وقيل فى ذلك الوقت إن مصر تفقد حوالى 15% من محصولها القمحي. هذا بجانب عدم وجود نظافة فى التعامل مع القمح قبل خبيزه وتحويله الى أرغفة نشتريها لنأكلها. لذلك جاء اهتمامى بإنشاء الصوامع التى تخزن فيها الحبوب وتحديدا، القمح حتى نستطيع حماية محاصيلنا وحتى نستطيع تناولها نظيفة. وفى حدود ما اتذكر كان مشروع بناء الصوامع منحة إماراتية وتمت تحت إشراف شباب اماراتى كان يتنقل من قرية الى اخرى. وحتى الآن عندما ألاحظ وجود الصوامع وسط الطرق الزراعية المصرية أتذكر تلك الأيام القديمة كما أتذكر دولة الإمارات العربية التى لم تذكر كثيرا فى وقتها لأنها قامت ببناء صوامع يهتم بها أهل الريف ولا تلفت نظر أهل البندر.

 

ولكن استرجعت كل هذه التفاصيل فى الحفل البسيط الجميل الذى أعلن فيه عن مشروع الشراكة لبناء مشروع رأس الحكمة. وكغيرى من المصريين المتابعين بشدة الواقع الاقتصادى والاجتماعى لبلدهم أحسست براحة غير عادية تصاحبنى لتشدنى ومعى بلادى من مستنقع خطر للغاية. لقد كنا نسير مع المصريين فى طريق ضيق بعيدا عن الضوء. ثم جاء هذا المشروع الشراكة ليخرجنا الى طريق سليم إذا، وأقول إذا أحسنا استخدام ما قدمته لنا الظروف الطيبة التى قد لا تتكرر مرة اخرى. فعلينا حسن استخدامها وعدم التفريط فيها. وهى أمور تحتاج منا إلى التروى وحسن التصرف والمشاركة فى اتخاذ القرار والمسئولية. وربما احتجنا لتعديل فى السياسات العامة التى تهدف الى تحديد علاقة جديدة بين مؤسسات المجتمع بحيث نعطى الفرصة لهذه المؤسسات بالمشاركة فى اتخاذ القرار حتى لا تتكرر أخطاء الساحل الشمالى الذى تحول الى منتجع صيفى امتص أموال شباب الطبقة الوسطى المصرى الذين اتجهوا إلى بلدان منابع النفط العربية للمشاركة فى بناء تنميتها ثم عادوا إلى مصر بأموال بنوا بها شاليهات الساحل الشمالى بدلاً من توجيهها إلى بناء مشاريع تنموية. وهى معلومة عرفتها من مسئول كبير فى البنك الدولى جاء ليلقى محاضرة فى نقابة الصحفيين فى تسعينيات القرن الماضي.

وبالعودة الى مشروع الشراكة المصرية الإماراتية فى رأس الحكمة فلا يشغلنى هنا أننا حصلنا على مال كنا فى حاجة إليه، ولا حتى حجمه مع شكرى الجزيل للإخوة الإماراتيين على ما قدموه لنا بدءا من بناء الصوامع التى أسعدتنى الى مشروع الساحل الشمالى الغربي. فإنى اعلم اننا شعب متنوع المصادر ومررنا بعدد من الظروف الصعبة كالتى نمر بها الآن واستطعنا تجاوزها والتغلب عليها ثم عبورها. فهذه إمكانيات الشعب المصرى لكن الذى توقفت عنده كان إذا كنا تعلمنا من هذا الدرس الرابع على الأقل ولو مرة واحدة أم لا. خاصة اذا كنت على علم كامل بحجم المعاناة التى تحيط بغالبية الشعب المصرى الذى دفع كل ما لديه من اجل إتمام كل تلك المشروعات التنموية الجبارة التى يعلم انها تمت كما يعلم أنها لم تعد عليه بالنفع المطلوب بعد إلا من عدد قليل من مشروعات حياة كريمة التى حدثت فى قراه ولم تكتمل بعد.

فالذى يشغلنى قبل اى شيء هو رؤيتنا كمصريين لتنمية بلادنا التى نتغنى باسمها ليلا نهارا دون ان نعمل لها بنفس قدر الغناء. فالتنمية من وجهة نظرى هى التنمية التى تعنى فى المقام الأول والأخير هى العمل والانتاج الصناعى والزراعى الذى يوفر للشعب المأكل والمشرب والملبس فى الأساس دون الحاجة لمد يده للخارج. اى التنمية التى تقدم للشعب حاجته الإنسانية الخاصة فى الأساس وفى أى وقت دون خوف أو انتظار لتوافر عملات ليست الجنيه المصري..

لقد عشنا لفترة طويلة نسمع من مسئولينا ان لدينا اكتفاء ذاتيا من اللحوم البيضاء من الدواجن دون ان يقال لا اننا نعتمد على استيراد الذرة والفول الصويا لتغذية ولتربية هذه الدواجن. فلما وقعنا فى أزمة الدولار اكتشفنا الحقيقة وهى أننا لا نملك صناعة متكاملة للدواجن. فنحن نستورد العلف اللازم للتربية. وبالتالى فلا نتحكم فى الصناعة التى لا نقدم لها إلا اليد العاملة والمستثمر.

اننا إلى الآن لا نملك صناعة متكاملة بنسبة معقولة إلا صناعة القطن أما إذا دخلنا الى صناعة المنسوجات فإننا نحتاج إلى استيراد خامات الصبغات اللازمة. اتذكر جيدا عام 1966 يوم ان وقف جمال عبد الناصر يتحدث الينا قائلا: إحنا بنستورد لحوم حمراء من البلد الفلانى والفلانى ذاكرا عشر أو خمسة عشر بلدا.. وكان عددنا فى ذلك الوقت 30 مليون نسمة. ثم ذكر: ودلوقتى لازم نتعود على استهلاك اللحوم البيضاء أى الدواجن. وفى هذا الوقت بدأنا نرى لأول مرة الدواجن المستوردة التى لا صلة لها بالدواجن المصرية البلدية التى نعرفها.

والآن وصل عددنا إلى أكثر من المائة مليون ولم تعد كميات اللحوم الحمراء أو البيضاء التى كان عبدالناصر يستوردها لنا تكفينا وإنما نرى أننا نحتاج إلى سياسات جديدة ومستمرة تنظم عددنا واستهلاكنا كمواطنين حتى نستطيع مواجهة كل الصعوبات.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية