تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

سفاحة المنيا

بثياب السجن وقفت هاجر أمام القاضي تحمل طفلها الرضيع، وبيدها كيس بلاستيكي تحمل به مستلزمات الطفل.

شكلها التعيس، رغم سنها الذي لم يتجاوز الأربعة وعشرين عاماً، ينبئ بحياتها قبل وبعد ارتكابها الجريمة التي هزت قلوب الجميع، ليس فقط بلدتها أبومواس بالمنيا.

البلدة التي استيقظ أهلها على حادث قتل ستة أطفال وأبيهم، تم وضع السم لهم في الخبز بغرض قتلهم. واتجهت الشبهات فوراً نحو زوجة الأب التي اعترفت فوراً بفعلتها، والتي بررتها بالغيرة من ضرتها وأبنائها، لذلك قررت قتلهم جميعاً. كما اعترفت هي بنفسها في التحقيقات!

في فيديو المحاكمة لها، ولوهلة، نظرت للطفل الباكي على يديها وسألت نفسي: هل هذه الإنسانة طبيعية! أم مضطربة نفسياً أو عقلياً لتفعل ذلك ثم تدفع حياتها ثمناً له؟

أتكون قد أصابها نوع خطير من أنواع اكتئاب الحمل، أو اكتئاب ما بعد الولادة، الذي قد يدفع المرأة لإيذاء نفسها أو قتل طفلها إذا لم يتم علاجها منه؟ تساؤلات عديدة ليست بهدف التبرير أو المطالبة بعدم عقاب هاجر عما فعلت، لكن محاولة لفهم كيف تصل النفس لارتكاب مثل هذه الجرائم دون اكتراث بالفعل أو حتى بأثره على الشخص ذاته.

المتابع لأحوال المجتمع المصري بكافة طبقاته، يجد أن هناك ضرورة قومية لنشر الرعاية النفسية بشكل أوسع، خاصة في المناطق الأكثر انغلاقاً وفقراً، التي قد لا ينتبه قاطنوها لأهمية العلاج النفسي وقد يعتبرونه رفاهية أو قلة تدين، والنتيجة ما نراه يومياً من حوادث عنف أسرى مجنون، أو حالات انتحار أو قتل لأقرب المقربين.

والغريب هنا أنه رغم اهتمام الدولة بالملف الطبي وقوافل العلاج من الأمراض العضوية، فإن هذا الملف لا يزال بعيدا رغم أن خطورته لا تقل عن أي مرض عضوي بل تزيد، وهذا ليس معناه أننا سنبرر للقاتلة فعلتها، لكن إذا وضعنا في الاعتبار ما يعيشه الناس بحق، قد نحمى حياة الآلاف ممن يدمرون حياتهم وحياة أقرب الناس إليهم نتيجة خلل يمكن تداركه وعلاجه قبل أن نرى أثره في قضايا كثيرة قد تتشابه في بشاعتها مع هذه القضية.

الصورة الأخرى التي رأيناها بوضوح في مشهد المحاكمة لامرأة فقيرة- وفي الغالب تعليمها محدود- تزوجت بإرادتها أو بغير إرادتها من شخص متزوج ولديه ستة أطفال، وعاشت تحترق بنار الغيرة ونار الخوف من أن يتركها لأجلهم بعد أن أصبحت حياتها تتمحور حوله (بالمصادفة وفى نفس التوقيت ظهر علينا أحد مشايخ السعي وراء التريند في برنامج شهير يدعو الرجال للزواج من زوجة ثانية كي تطيعه الأولى ويذلها إذا ما كانت غير مريحة له!

ولم يكترث الشيخ بأن ما يدعو إليه قد يؤدي لكارثة، مثل التي رأيناها وغيرها الكثير. فالنار التي توقدها الغيرة لا يحترق بها أهلها فقط، بل تطول المجتمع كله وتشوه سلوكيات أفراده.

رغم تطور قوانين الأحوال الشخصية في مصر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ورغم أن ما يحدث في مسألة تعدد الزوجات في مصر ليس ما أقرته الشريعة الإسلامية التي يستند عليها القانون - ويساء استغلال هذه الرخصة في معظم الأحوال - فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا يتم منع أو تقنين الزواج الثاني كما يحدث في العديد من الدول العربية؟

ماذا ينتظر المشرع لتقنين أو منع وضع جنوني لا يستفيد منه غالباً سوى المتحايلين على الشرع؟ والنتيجة لذلك نراها في تدمير نفوس وأسر وأطفال وسيدات مقهورات ورجال ظالمين غير مكترثين بنتيجة أفعالهم، وبالنهاية يُشجع قصور القانون (الذي يجب أن يكون حامياً لاستقرار الأسر المصرية) على مزيد من التفكك والعنف وخراب النفوس والبيوت.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية