تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > المستشار ابراهيم زكي > العار والتار ... متلازمة العشق والدمار

العار والتار ... متلازمة العشق والدمار

قراءة في جينات إنسانية بعيدة عن الأخلاق والتحضر
إبتعدت مضطراً بسبب السفر في مهمة عمل تلاها توعك صحي بسيط عن كتابة مقالي الدوري، والأن وقد عدت بحمد الله إلى الكتابة المقالية، وجدت القلم يحاور الفكر في أختيار الموضوع فأنا أكتب في أحوال المجتمع والناس وأتناول دور القانون في كتاباتي، وأئتنس دائماً بالكتابة عن الهوية المصرية، وأفتن بكتاباتي عن الوطن وعن مصر، ولكن هذه المرة سبق القلم الفكر تأثراً بنشأة محركة على أغنيات حليم العاطفية، وأفلام سعاد الشقية، مع خفة دم رمزى، على رومانسية الشريف، وفروسية مظهر مروراً بوداعة فاتن ونحنحة ماجدة ورشاقة نعيمة إلى رقة نجلاء وجمال ميرفت وفتنة مديحة، كلهم وكلهن أثرت أعمالهم الفنية والدرامية في جيلي وثقافته وطريقة تفكيره، فكان العشق والهوى ظهيره الحب الذي إعتدنا وجبلنا فيه على النهايات السعيدة بزواج يليه العيشة في التبات والنبات وخلفة الصبيان والبنات، ولم يرى أو يسمع جيلي أو حتى يدر بخلده فكرة ذبح الحبيب لمحبوبته لأنها لاتريد الإرتباط به، ولا فكرة قتل الزوج لزوجته خلافاً على مسائل مالية أو أمور مستخبية، أو يحرض العشيق على قتل عشيقته لأنها إستولت على ماله.

قطعاً عاصرت على مر سنين عمري حكايات نادرة عن حالات قتل الرجل للمرأة وكانت دائماً حالات مرتبطة بفكرة العار الذي لا يمحوه إلا الدم وهى فكرة أزلية نشأت في رأيي تحت مبدأ الشرف الاجتماعي الذي لايتأثر بكثرة نزوات الرجل في حين أن شرف المرأة مثل عود الكبريت!!!

    وعاصرت كذلك حكايات في ثمانينيات القرن الماضي عن قتل المرأة للرجل مع تقطيعه وتكييسه أي وضعه في أكياس بلاستيك لدرجة أصبحت معها الترفة في ذلك الحين أن لا يحتفظ الرجل بأكياس بلاستيك في منزله درءاً لوضعه فيها، ولكن ذلك أيضاً كان مرجعه دائماً إما الدفاع عن النفس أو للمروربضغوط مستشرية تصل إلى مرحلة التخلص من الضاغط والمضغوط  خاصة لوكان الضاغط سادي شرير.

أما غير ذلك فإن القتلة يكونون قتلة سفاحين مجرمين وهم ليسوا بالكثير في حياتنا وليست بظاهرة في مجتمعنا المصري.

ولكن فكرة " من الحب ما قتل" أى القتل بدافع الحب أو بدافع الزواج سواء لمشادات عائلية أو لخلافات مالية أو إرتباطات عاطفية فهذا ما لم يسمع عنه جيلي، كما أني ومن في جيلي لا يمكن أن نصفه بأنه فعل جنوني وإلا أوجدنا لمن إرتكبه مخرجاً ومهرباً من العقاب!!

 ونستطيع أن نقول أنه فعل لا يمت إلى الإنسانية بصلة وإلا ظلمنا بني الإنسان.

فالحقيقة أن ذلك الفعل الدنيئ اللاأخلاقى لا يرتكب إلا من شخصية مستهترة عديمة التربية لا تحترم الإنسانية ولا تحترم الشرع ولا تحترم القانون وتفسر العار حسبما يحلو لها لتوجد نفسها مبرراً للثأر .. فأصبح عاراً أن يشعر شاب بأن الفتاة لا تريده أو غيرت رأيها فيه من تعاملاتها معه بمرور الأيام، فأصبح فى نظره من العار قبول ذلك ولا يمحو ذلك إلا الدم خاصة لو كان الشاب صريف ويشعر بالتميز .. والآخر الذي يقرر قتل زوجته الثانية تخلصاً من معرة معرفة الأولي .. والثالث الذي يتخلص من الزوجة والأبناء خشية أملاق ومزلة  عدم إمكانية الإنفاق .. وغيره الذي يقتل ويحرض على قتلها تخلصاً من معرة خديعة الإستيلاء على أمواله .. إن كل ما تقدم يعتبر إستهتار بالنفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ولابد أن يكون لهذا الإستهتار أسباب في نفوس هؤلاء المستهترين.

    وأزعم أن أهم تلك الأسباب هى إفتقاد الأخلاق للجاني وكذلك إفتقادها في الرؤيا المجتمعية المحيطة به، فالشاب المدلل في بيئته ومجتمعه لم يعتد الرفض لطلباته فما بالكم لو كان الرفض ممن أحبها!! والرجل الثري- خاصة إذا كان فقيراً في الأصل- أو ثقافته المجتمعية تهيئ له إمكانية شراء أى شئ أو شخص فعدم الإستجابة لرغبته في شراء الإنسان يعتبره معرة تستلزم التأديب الذي قد يصل إلى إيذاء النفس .. وكذلك صاحب السلطة والنفوذ خاصة ولو كان مفتقداً لهما في نشأته إذا لم تستجب له المرأة المتيم بها فما لزوم النفوذ إذاً.... والعكس بالعكس فيوجد أيضاً نساء لديهن ذات آفة الإستهتار بالنفس البشرية ويكون أيضاً ناشئ عن دنو وتواضع التكوين النفسي والاجتماعي فيستهترن بالآخر إما لتلفهن أو سقوطهن أمام مغريات .. فالمستهترون والمستهترات يكفرون بكل الأخلاق والأصول والمبادئ والقيم الإنسانية ويشعرون في حالة عدم الاستجابة لرغباتهم بأنهم سقطوا في بئر العار ولا يوجد أمامهم للتخلص من العار سوى الثأر.

فالإيذاء البشري إذاً وليد شخصية سيكوباتية لها حقدها الإنساني ومركبات النقص وعقدها النفسية، مع شعورها العام بالدنو حيال الآخر، ولا يمكن أن يتولد هذا الإيذاء البشري من شخصيات متوازنة متزنة لديها صلاح نفسي.

وبالمناسبة فالشخصيات المتزنة نفسياً تشعر بدورها أحياناً وخصوصاً في حالات الغدر الإنساني بالحسرة والمعرة وتأمل في الاقتصاص لنفسها، ولكن ولكونها شخوص متزنة نفسياً ومتوافقة مجتمعياً وتتحلى بالخلق القويم وذلك لصحة نشأتها والاهتمام بها ودعمها أسرياً منذ الصغر لكونها ناشئة في أسر تنتمى إلى أصول اجتماعية جيدة ومتحضرة ونالت القدر اللازم من التعليم والثقافة، فتستطيع تلك الشخوص المتوازنة التوفيق ما بين حسرتها و بين اقتصاصها المجتمعي المشروع سواء من خلال المظلومية المجتمعية بتعاطف المجتمع معها  ورفض الظلم الواقع عليها من الآخر بل ورفض الآخر ذاته، أو من خلال الاقتصاص القضائي الاجتماعي باللجوء إلى قاضي الأسرة.

وعودة على ذي بدء وقد قدمت لمقالتي بأن جيلي لم يكن يسمع أو يدر بخلده هذه النوعية من الجرائم العاطفية والزوجية وأقول أن السبب في ذلك هو أن النبع الثقافي لمرحلة النشأة والشباب في جيلي كان أكثر خلقاً وتحضراً من النبع الثقافي الذي شرب منه ونشأ عليه من تلونا، فلم يكن يجرأ أحد في مرحلة نشأة وشباب جيلي أن يتطفل على أسرة ويلزم بناتها بالتحجب بالقفة سواء نصحاً وأرشاداً أو تهتكاً وجنوحاً .. ولم يكن يجرأ أحد أن يخرج عن الناموس المجتمعي خشية أن يكون منبوذاً أو مفضوحاً مجتمعياً قبل الخشية من العقاب القانوني.

    إن العقل الجمعي الذي تقبل في نهاية سبعينيات وطول ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2013 القبح الثقافي والتضليل الفكري وذهاب الأخلاق وانهيار المبادئ، وتقبل فكرة التميز بدلاً من المساواة وبتر التحضر واستبداله بالهمجية والتخلف، لابد وأن يكون نتاجه تشويه أسمى العلاقات الإنسانية شأن علاقة الحب وعلاقة الزواج ولتنتهى تلك العلاقات السامية بنهايات دموية بشعة بدلاً من التبات والنبات وخلفة الأولاد والبنات.  

إن ما أقوله أو أكتبه ليس حنيناً إلى ماضي أو دفاع عن مرحلة إنما هو بمنتهى البساطة رؤيا ومقارنة ما بين مجتمعات تمسكت بالأخلاق والتحضر والإرتقاء وأخرى إتبعت ثقافة القفة والعمة والقفطان وأنقادت لقيمة المحسوبية والمادة والقبح بدلاً من الأنقياد لقيمة الحق والخير والجمال.   
  
    ولعل تجربة جوني ديب أكبر دليل على شخصيات اتبعت آليات الاقتصاص المتحضر، فبعد أن رفضته ونبذته ولطمته واستولت على أمواله وشوهته آمبر هيرد، لم يقتلها ولم يؤذها بدنياً ولم يحرض غيره على ذلك، لأن ثقافته المجتمعية وقيمه الأخلاقية لا تعرف تلك الأفعال المشينة من أساسه، و لجأ جوني ديب إلى الاقتصاص المجتمعي فأنصفه قاضي بعد ما كان خاسراً لحياته الزوجية وأمواله بسبب تشويهه من آمبر هيرد بصورة لا أخلاقية.

    ادى الحكاية وادى الرواية والأخلاق تكسب في النهاية.

 ودعوني أذكركم ونفسي بما نظمه أمير الشعراء أحمد بك شوقي:-

" إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا "
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية