تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

السرية والخداع فى ملحمة أكتوبر73

على الرغم من مرور 51 عاما على ملحمة أكتوبر المجيدة إلا أن الجانب الإسرائيلى والقوى الكبرى والفاعلة فى العالم والتى كانت تلعب دورا مؤثرا فى هذه الحرب ما زالت لا تفصح عن الكثير من الأسرار التى أحدثتها هذه الحرب على مصالحها وأمنها القومى فى المنطقة وفى العالم، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط وتغيرت بسببها إستراتيجيات دول وسياسات حكومات ومقدرات شعوب.. وقد لعبت أعمال السرية وإجراءات الخداع التى قامت بها الأجهزة المصرية المسئولة بمستوياتها المختلفة دورا مهما ورئيسيا فى تحقيق درجة نجاح عالية، وكان لها انعكاسات بالغة التأثير خاصة على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية والغربية عموما، وأيضا على مجموعة من القيادات السياسية والعسكرية لهذه الدول حتى إنهم وبكل ما يتوافر لديهم من قدرات وإمكانات مخابراتية فائقة ومتنوعة عجزوا عن التنبؤ بحدوث الحرب.

فى مطلع ربيع عام 1973 وفى مقابلة للرئيس السادات مع مجلة «نيوز ويك الأمريكية» قال الرئيس إن الوقت قد حان لإحداث «صدمة».. ولكن الأطراف الأخرى فى ذلك الوقت لم تكن تعتقد أنه كان لديه خطة عملية للحرب وهو الأمر الذى احتفظ به سرا بإتقان حتى موعد قيام الحرب.

ارتكز النجاح المصرى والعربى على أهمية تحقيق السرية التامة: من أجل الحصول على ميزة المفاجأة وتعزيز وتوسيع شبكة الخداع بما يساهم إيجابيا فى نجاح العملية العسكرية وتحقيق الصدمة التى سبق للرئيس السادات أن أفصح عنها، والتى أدت إلى أن قرارات القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين اتسمت أثناء العمليات العسكرية بالحذر المبالغ فيه، واعترافاتهم بأنهم كانوا فى موقف نفسى سيئ وقاس، حتى إن وزير الدفاع الإسرائيلى موشى ديان قدم استقالته إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية "جولدا مائير" فى اليوم التالى للهجوم (7) أكتوبر 1973م) ولكنها لم تقبلها لما سيكون لها من تأثيرات عسكرية ومدنية قد تؤدى إلى الانهيار الإسرائيلى عسكريا وداخليا.

كان من أبرز أمثلة السرية والخداع على المستوى المصرى عسكريا وسياسيا، أنه فى صباح يوم 6 أكتوبر 73 تساءل أحد كبار القادة المصريين فى أحد الأجهزة المهمة فى القوات المسلحة هل من الممكن أن تشن العمليات العسكرية اليوم أم فى الغالب ربما يتم اللجوء إليها مستقبلا؟

وعلى المستوى السياسى فإن وزير الخارجية المصرى الأسبق دكتور محمد حسن الزيات، لم يكن يعلم باليوم الذى سيبدأ فيه القتال فى حرب أكتوبر 73، وكان يعلم بأن هناك قرارا للحرب ولكن دون تحديد موعد بدء القتال.. هذا فيما يتعلق بالسرية.. أما فيما يتعلق بالخداع، فتم التركيز بأن التوجه المصرى سيتوجه نحو استخدام سلاح البترول بما يوحى للأطراف الأخرى بأن استخدام السلاح الساخن (العمل العسكرى) لم يعد الاهتمام الرئيسي، والأهم هو التسوية السلمية اللازمة وقد تم ابتلاع الطعم للأطراف الأخرى.

وفيما يتعلق بالانعكاسات على الأطراف الأخرى يمكن إبراز الأمثلة التالية:

◙ على مستوى الجانب الإسرائيلي: أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كانت تقديراتها بأنه لا يمكن أن تندلع الحرب قبل عام 1975م، وبعد أن تتمكن مصر وسوريا من تحسين قدراتهما الجوية والهجومية وأيضا الفشل فى فهم أو تصديق ما وصل إليهم من معلومات أو ما رأوه بأعينهم. طلبت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير من وزير الخارجية الأمريكى كيسنجر أن ينقل إلى العرب والسوفيت بأن تل أبيب لا يوجد لديها أى نية لشن العدوان على مصر وسوريا، وأن إسرائيل ستقوم بالرد عسكريا بكل قوة وحزم فى حالة شن العمل العسكرى العربي.

◙ على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية: صرح مدير المخابرات العامة الأمريكية CIA فان كولبى قبل الحرب بأنه يعتقد بأن أيا من الجانبين لن يبادر بشن الحرب، وأن الصراع الآن هو نتيجة دورة من الفعل ورد الفعل. طلب كيسنجر من السفير السوفيتى فى الولايات المتحدة الأمريكية دوبرتين أن يقوم الاتحاد السوفيتى بكبح جماح القاهرة ودمشق.

◙ أرسل المسئولون الأمريكيون رسالة شخصية إلى كل من الملك حسين ملك الأردن والملك فيصل ملك السعودية لحثهما على التدخل مع الرئيسين السادات والأسد لمنع نشوب الحرب والعمل على ضمان ضبط النفس.

◙ على مستوى الاتحاد السوفيتي: القادة السوفيت ينصحون القادة العرب بعدم البدء فى العمليات العسكرية لتقديرهم بأن الموقف السوفيتى فى المنطقة سوف يتأثر لو تمت هزيمة العرب مرة أخرى وسوف يُعرض سياسة الوفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية للخطر.. وقد صدم الجانب السوفيتى من قرار شن الحرب من جانب مصر وسوريا لأن تقديراتهم كانت تؤكد بأن الحرب خطأ جسيم فى الحسابات وخطاً سياسى فادح حيث يعتقدون أن العرب سوف يتلقون الهزيمة. لم يكن السوفيت متيقنين من أن الرئيس السادات سيخوض الحرب حتى يوم 3 أكتوبر، عند لقائه مع السفير السوفيتى فى مصر، وعلموا بتاريخ شن الحرب عن طريق القيادة السورية.

الحديث يطول عن عظمة ما دار فى ملحمة أكتوبر 73 بكل ما تحتويه من عظمة الأداء للإنسان المصرى وما يتميز به من ذكاء عال وقوة الإرادة والتضحية والبذل والعطاء فى سبيل عزة الوطن وكرامته والحفاظ على مكانته بين الدول الأخرى، ولعل أبرز ما يمكن التعبير به عن عظمة هذه الملحمة أن الفضل فى كسب هذه الحرب وهزيمة الأعداء يرجع بالدرجة الأولى لمعدن الرجال وليس لقوة السلاح، وهو ما يؤكد أن الطاقة الإنسانية هى أعظم مناجم مصر وأعمق ينابيعه.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية