تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هذه هى مصر
فى حياتى شرفت بصداقة بطلين من أبطال الجيش المصرى وملحمة انتصار أكتوبر، وكلاهما كتبا سطوراً مضيئة فى حياة وانتصار الوطن. وكانا مع باقى أبطال الجيش المصرى العظيم يصنعون ملحمة العبور والكرامة.
والبطلان هما اللواء أركان حرب قائد قطاع بورسعيد بالجيش الثانى حمدى الشعراوى، والثانى هو اللواء باقى زكى يوسف. والاثنان يشتركان فى الصفات المصرية الحقيقية من حب الوطن والأمانة فى كل حياتهما ونقاء روحيهما.
وكم من مرة جلست مع اللواء باقى أسأله عن مشاعره وكيف وصلت له هذه الفكرة العبقرية؟ وكيف لم يخطفها أحد منه وينسبها إليه وهو كان مجرد ضابط صغير؟ ولكنه أجاب عليّ بما فهمت لماذا انتصرنا فى هذا الزمن فقد كانت كل القيادات لا تهتم إلا بمصر والانتصار.
وقال لي: كنت حاضراً بصفتى رئيس فرع المركبات للفرقة 19 مشاه ميكانيكى فى اجتماع عُرضت فيه مشكلة خط بارليف الذى قال عنه موشى ديان إن عبوره مستحيل وإذا حدث سيكون مقبرة للمصريين، وبينما لم يكن هذا فى حدود عملى ولكنى فجأة تذكرت أثناء عملى فى السد العالى كيف كنا نستخدم مضخات المياه فى إزالة جبال الرمال. ورفعت يدى وقدمت الفكرة لقائد الفرقة، ثم أخذنى وقدمتها أمام كل القيادات. وهنا سألته: ولماذا لم يأخذ أحد هذه الفكرة من القيادات العليا ونسبها إلى نفسه؟، فقال لي: لم يكن أحد يفكر فى نفسه وكان الكل يذوب فى حب مصر والأهم من ذواتنا هى بلادنا مصر.
وبالفعل ناقشوه فى الأمور الفنية التى أدخل عليها تعديلات وتدخلت كل أجهزة الدولة حتى نجحت الفكرة عملياً. وبالفعل فى يوم العبور قاموا بفتح عشرات الثغرات فى زمن قياسى فقد أزيل ألفا متر مكعب من الأتربة وتحقق النصر.
فسألته: وكيف كانت مشاعرك؟، قال لي: مع أول عبور المركبات نزلت ومشيت على قدمى غير مبال بالنار وخطر الموت لقد كنت أشعر كأنى أمشى على سحب السماء وأننى لست على الأرض. واستمرت صداقتى بهذا البطل حتى توفي. وقد رقى إلى رتبة اللواء ومنحته الدولة نوط الجمهورية من الدرجة الأولى، ومؤخراً أُطلق اسمه على أحد الأنفاق فى القاهرة الجديدة.
أما اللواء حمدى الشعراوى فقد كنت أعتبره ليس صديقاً فقط بل فى منزلة والدى، فقد بحث عنى بعد قراءة مقال لى فى الأهرام، وكلمنى وقال لي: أريد أن أتعرف عليك. ومنذ أول لقاء شعرت بأننى أمام بطل يندر أن يوجد فى أى زمن وأى بلد فى العالم كله. فكان يحكى لى عن بطولات المصريين فى حرب الاستنزاف وأكتوبر ولم يكن هناك فرق بين مسلم ومسيحى بل كان الكل مصريا وأما الديانة فقد كانت موقع احترام وتقدير. وكعاشق لمصر وتاريخها كان يدرك الأخطار المحيطة بها وكانت له نظرة عميقة لما يحدث فى مصر والعالم.
وظلت صداقتنا سنوات كان يكلمنى فيها يومياً ونتقابل حتى صار قريباً لقلبى، وحين عرفت أنه قد مرض وتطورت حالته سريعاً ذهبت إلى المستشفى وكان فى غيبوبة، وقالت له كريمته العزيزة إيمان: حبيبك جاء، وكان قد فقد النطق قبل غيبوبته، فجلست بجواره وأنا أصلى كى يفيق وقد شعر بروحه بوجودى ففتح عينيه فأخذت يده وقبلتها كما أقبل يد والدي.
وكنا قد اتفقنا أن يكتب مقالاً سأنشره كرسالة لى فى الأهرام، وقلت له غداً سآتى إليك بالجريدة لتقرأ ما كتبت فيها، فابتسم. ولكن صدرت الجريدة وفيها مقاله ولكن لم يمهله العمر يوماً واحداً فقط ليراها. وقد تأثرت جداً لهذا ولكن فى الأيام السابقة وصلتنى رسالة من كريمته إيمان الشعراوى تحكى هذه القصة قالت فيها: أبونا القمص أنجيلوس هذه الفترة التى نمر بها جعلت ذكريات كثيرة تتداعى فى ذهنى وذكرتنى بآخر أيام والدى (رحمة اللـه عليه) وعلاقة الصداقة المخلصة العميقة بينه وبين حضرتك، علاقة المسلم بالمسيحى فى مصر التى لم تستخدم ولم تنشأ للاستعراض أو العرض، ولا تهدف لإرسال رسالة، وبعيدة عن الشعارات. فقد كنت أرى فيها أن حضرتك أقرب الناس لقلبه وبينكم تواصل دائم لا هدف منه ولا موجه لأحد غيركم. تذكرت اهتمامك اليومى للاطمئنان على صحته ونفسيته وسلامته.
تذكرت يوم تدهورت حالته وانتقاله إلى المستشفى بعدما فقد النطق فجأة، وكانت صدمة أصعب ما تكون علينا وعليه. وتذكرت وجودكم معنا فى المستشفى أول يوم ومشهد صلاتك ويدك على رأسه ودعواتك له. وجلست بجواره وبإصرار قررت مساعدته على الإفاقة والنطق، وبالفعل رجعت إليه القدرة على النطق بصعوبة ونادى علينا بأسمائنا. وفهمت لحظتها صدق وصلابة علاقة المحبة الحقيقية بينكما، ولماذا لم نر الفرحة ظاهرة على وجهه إلا لحظة دخولكم حجرته بعدما قلت له حبيبك وصل. ثم حديثك له عن المقال الذى أرسله لحضرتك وقلت له سوف آتى غداً ومعى المقال.
وبالفعل صدرت الجريدة وفيها المقال ولكن للأسف لم يرها والدى فقد كان فارق الحياة ولأنه كان ينتظرها فقد وضعنا له فى قبره حين دفناه ما كان ينتظره ونحن نثق أن روحه قد تحررت من قيود الجسد ويستطيع أن يراها ويفرح بها. فطوبى للمصريين الأوفياء، وشكرا لوجودكم بيننا وعدم انقطاعك عن السؤال علينا، نشكر اللـه على وجود المحبة الصادقة فى زماننا.
هذه هى الرسالة التى وصلتنى من العزيزة إيمان وبالفعل ذكرتنى بأنه قد أرسلها لى بعد أحداث طائفية وقال لي: المصريون الحقيقيون لا يفعلون هكذا، فقد عاصرت تضحيات المسلم والمسيحى فى الحرب. وفى المقال القادم سأنشر رسالة هذا البطل كاملة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية