تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > القمص ـ أنجيلوس جرجس > مائة عام على ميلاد البابا شنودة

مائة عام على ميلاد البابا شنودة

هناك من يولدون ويرحلون دون أن يكون لوجودهم معنى، وهناك من يولدون ليضيفوا إلى الوجود معنى. والبابا شنودة ولد وعاش ليكون منارة وقيمة فى جيلنا وأجيال كثيرة بعدنا. فقد كان حضوره نوراً، وأفكاره طريقاً، حتى صوته كان يحمل دفئاً عجيباً. قال عنه الموسيقار هانى شنودة: حديث قداسة البابا شنودة وكلامه العادى يطرب الآذان... تشعر وأنت تستمع إليه أن كلماته تسرى فى سمع الناس إلى قلوبهم كأنها سيمفونية تشبه تغريد البلابل.

 

تسعة وثمانون عاماً عاشها معنا كلها آلام ومجد، لقد كان قوياً رغم القهر والظلم. ورغم كراهية البعض وخيانة البعض إلا إنه كان يعامل الجميع بكل الحب، فقد تتلمذنا على تعاليمه سنوات، وبعدما صارت لى علاقة شخصية معه صارت حياته أمامى أعظم عظة.

ولد فى قرية سلام بمحافظة أسيوط عام 1923م من عائلة غنية ميسورة الحال، وتوفت والدته بعد ولادته وقام برعايته شقيقه الأكبر روفائيل الذى كان يعمل بوزارة المالية وأخذه حيث كان يعمل وتنقل بين المدن. ثم فى عام 1938م انتقل إلى القاهرة حيث عمل شقيقه الأكبر رئيس قسم بوزارة المالية، وسكنوا فى شارع حسن باشا حلمى بشبرا والتحق بمدرسة الإيمان الثانوية بشبرا.

ويحكى البابا إنه وهو صغير كان ينظر من النافذة فيرى يومياً شابا رث الثياب يبحث فى القمامة عن أشياء يأكلها فشعر بألم فى داخله وأصبح يومياً يضع كيساً به طعام وفاكهة قبل ميعاد مجيء هذا الشاب، وكان يقول لنا فى أحاديثه الشخصية ضعوا فى أكياس القمامة أكياسا بها طعام محكمة الغلق علها تكون طعاماً لفقراء عابرين. والتحق بكلية الآداب (جامعة فاروق الأول) قسم آثار، وفى السنة الثالثة التحق بالكلية الإكليريكية بجانب دراسته وتخرج فى كلية الآداب بتقدير امتياز. والتحق بكلية ضباط الاحتياط وتخرج عام 1948م ضابطا فى سلاح المشاة. وكان قد انضم إلى الوفد وأحبه الزعيم مكرم عبيد، وكان يلقى الشعر فى المؤتمرات الوفدية حتى أُطلق عليه شاعر الكتلة الوفدية. ثم عمل مدرساً ثم استقال وعمل فى التدريس بالكلية الإكليريكية. وفى 18 يوليو عام 1954م استقال والتحق بدير السريان ورسم راهباً باسم أنطونيوس السرياني. ثم اختار أن يعيش فى مغارة فى الجبل متوحداً للصلاة عام 1959م حتى استدعاه البابا كيرلس السادس ليكون سكرتيراً له ثم أسقفاً للكرازة والمعاهد الدينية عام 1962م باسم الأنبا شنودة. ومنذ ذلك الحين وهو يلقى عظاته على الشعب التى كانت تحضر بالآلاف.

وبعد رحيل البابا كيرلس اختارته العناية الإلهية لكى يكون البابا شنودة عام 1971م. وبرغم انشغاله بالكنيسة والخدمة إلا أن الوطن كان دائماً فى دائرة اهتمامه فقد قال: إن مصر ليست وطناً نعيش فيه، ولكنها وطن يعيش فينا. ورددها عنه مكرم عبيد أيضاً. ولم يكن فقط الوطن هو ما يشغله، بل قضايا العالم والظلم الواقع على الفلسطينيين فبعد شهر من اعتلائه الكرسى المرقسى فى ديسمبر عام 1971م ألقى محاضرة فى نقابة الصحفيين عن المسيحية وإسرائيل ورد على أسطورة إنهم شعب اللـه المختار. وحين زار أمريكا وقابل الرئيس جيمى كارتر سأل البابا وقال له: ما رأيك فى مقولة أن إسرائيل شعب اللـه المختار؟، فرد البابا وقال:إذا كانوا هم هكذا فأنا وأنت من نكون؟. وظل يدافع عن هذه القضية حتى إنه رفض أن يدخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين، وكان هذا أحد أسباب الخلاف مع الرئيس السادات.

كانت وطنية البابا درساً لنا جميعاً فى حب مصر فقد ذهب إلى الجبهة عام 1972م ليسند الجيش قبل الحرب وفى أثناء الحرب زار المستشفيات وقدم مساعدات وأدوية لها. ثم زار الجبهة مرة أخرى وقال فى حرب أكتوبر: كان الجيش الثانى بقيادة أحمد بدوى والجيش الثالث بقيادة فؤاد عزيز غالى يحاربان لأجل مصر دون فرق بين مسلم ومسيحي.

ورغم وطنيته وحبه الكبير لمصر حدث خلاف مع الرئيس السادات بعد ما حدث فى منطقة الزاوية الحمراء، فاجتمع المجمع المقدس عام 1980م وتقرر عدم الاحتفال بعيد القيامة واستقبال التهانى. وتصاعدت الأحداث حتى وصلت إلى قرارات سبتمبر عام 1981م حين قرر الرئيس السادات بتحديد إقامة البابا شنودة بدير أنبا بيشوى بوادى النطرون وسحب قرار الدولة بالاعتراف به وتعيين لجنة خماسية من أساقفة لإدارة الكنيسة. ثم ألغيت هذه القرارات وعاد البابا عام 1985م.

وبرغم ذلك إلا أن مواقفه الوطنية كانت كما هى فقد رفض أن يؤسس حزباً للأقباط عام 1989م وقال: من أجل الوطن وحرصاً على وحدته أرفض قيام أى حزب مسيحي. وقال أيضاً: نحن مصريون جزء من شعب مصر ولا نحب أن نعتبر أنفسنا أقلية. فحتى توجد وحدة وطنية يجب ألا نقول «مسيحى ومسلم»، بل نقول «مصرى».كما رفض أى تدخل أجنبى فى شئون الأقباط.

وكان إنتاجه الأدبى المسيحى كبيرا جداً فكتب واحدا وتسعين كتاباً، وكرمته جامعات العالم فحصل على سبع دكتوراة فخرية من جامعات أمريكية وأوروبية وجائزة اليونيسكو للتسامح الدينى عام 2000م. وقال عنه الكاتب الكبير إبراهيم الوردانى: ملحمة البابا شنودة ما أروعها، ما أبدعها، إننا نكتشف فيها زعيماً مصرياً من صلب الشعب يروض التاريخ المصرى ويمسح على الجبين القومى بأوراق العود والزهر والعطر والحب والتسامح. ورحل البابا شنودة عن عالمنا فى مارس 2012م ولكن ظل صوته وروحه وحياته منارة لا تنطفئ أبداً.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية