تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > القمص ـ أنجيلوس جرجس > عيد الميلاد هدنة للفرح وسط الحروب

عيد الميلاد هدنة للفرح وسط الحروب

فى عيد الميلاد تدق أجراس الفرح فى كل العالم، وكلما طافت العيون ترى المدن والميادين فى حالة فرح رغم أى ظرف أو حرب أو مرض، فالإنسان يحتاج إلى حالة الفرح كى تكون بمثابة استراحة محارب ضد الكراهية؛ ضد الحروب؛ ضد الغلاء؛ ضد المادية التى سيطرت على كل شيء.

والفرح لأنه احتياج إنسانى نجد طريقة الفرح تتغير بتغير الحضارات وحسب رؤية المجتمع للفرح. فالشعوب المتحضرة تُفرح الروح بالموسيقى والفن والجمال بجانب الحب والتسامح؛ بجانب الفرح المادي. ويقول هيرودوت الذى جاء إلى مصر عام 484ق.م ليصف إحدى صور الحضارات المصرية: المصريون أكثر تقوى من سائر البشر، فيهتمون بالشعائر المقدسة، وقد سبقوا العالم إلى إقامة الأعياد العامة والمواكب العظيمة، ومنهم تعلم الإغريق هذا.

وأحد مظاهر فرح العالم التى تراها فى هذا العيد هى شخصية وعلامة مفرحة وهو بابا نويل. ونويل كلمة فرنسية تعنى أب الميلاد. وتستغرب عزيزى القارئ حين تعرف أنه أحد الأساقفة فى القرن الرابع وأنه ليس له علاقة مباشرة بالميلاد. فهو القديس نيقولاوس أسقف مدينة اسمها مورا إحدى مدن جنوب تركيا الآن. ونيقولاوس حُرفت إلى كلوز ليكون هو سانتا كلوز. ولكن سبب ارتباطه بالميلاد أنه كان فى حياته يختفى فى الليل ويذهب إلى بيوت الفقراء ويقذف لهم احتياجاتهم من النوافذ ثم يختفى وكان هذا فى ليالى الأعياد، وحين يعرف أن هناك من يحتاج إلى النقود يذهب إليه ليسدد احتياجه بنفس الطريقة. فقد كان صانع السعادة للفقراء والمحتاجين فى ليلة العيد.

ولكن الذى صاغ هذه الشخصية حسب ما نراها الآن هو رسام الكاريكاتير الأمريكى توماس نيست عام 1881 م. حيث رسمه بثوب أحمر وحزام أبيض وحذاء أسود. وهذا بعد أن كتب الشاعر الأمريكى كلارك موريس الليلة السابقة لعيد الميلاد عام 1823م.

وصار فيما بعد أحد رموز الاحتفال بعيد الميلاد فى خيال الأطفال. وبعد ذلك أعلنت السويد أنه ولد هناك، وأعلنت فنلندا نفس الموضوع. وفى عام 1927 م. أعلنت روسيا أنه كان يسكن إحدى المقاطعات هناك مع حيوانات الرنة تلك التى صار يرسمونها تجر عربات هدايا عيد الميلاد، وصنعوا له مدينة كبيرة يزورها فى موسم أعياد الميلاد ما يقرب من خمسة وسبعين ألف طفل. إنها محاولات من العالم لصنع الفرح والسعادة ولو بأساطير فى عالم أدمن الكآبة والضيق.وما أحوجنا اليوم لهؤلاء فى عالم تسوده أخبار العنف.

ويقول جبران مناجياً السيد المسيح: يا يسوع الناصرى الجالس فى قلب الدائرة والنور الإلهى، انظر وراء هذه القبة الزرقاء، هذه الأرض التى لبست بالأمس من عناصرها رداء. انظر أيها الحارس الأمين فقد خنقت أشواك الوعر أعناق الزهور التى أنعشت بذورها بعرق جبينك. انظر أيها الراعى الصالح فقد نهشت مخالب الوحوش ضلوع الحمل الضعيف الذى حملته على منكبيك، وأصبح الحقل الذى قدسته بقدميك ساحة قتال تسحق فيها حوافر الأقوياء دروع المنطرحين.

نعم إننا نعيش فى عالم يحتاج إلى قوة روحية تغير من وحشيته، وكان ميلاد السيد المسيح بداية السلام والفرح للعالم، ولكن ماذا نصنع لنفوس رفضت السلام ورفضت رسالة المحبة التى للسيد المسيح وصارت متوحشة؟

ففى عام 1904م كان أحد الباحثين الأمريكان فى نظريات التطور ويدعى صموئيل فيرنر اشترى من الكونغو عبدا اسمه أوتوبيغا وقيده بالسلاسل ووضعه فى قفص كالحيوانات ونقله إلى أمريكا، وعرضه على الجمهور فى حديقة حيوانات سانت لويس بجانب أقفاص القرود وكتب: هذا ما يؤكد نظرية دارون.

وظل أوتو كل يوم يحاول أن يثبت للجمهور الذى يراه أنه إنسان وليس حيوانا، وكان يصرخ: أنا إنسان ولست حيوانا وهو يبكى بحرقة حتى سرق مسدسا من أحد الحراس وقتل نفسه وهو فى عمر 32 عاماً.

إنها الإنسانية المتوحشة التى لم تعرف الحب ولم يدخلها نور المسيح رغم أن هذا الباحث كان مسيحياً. إن الإنسانية تحتاج إلى الحب مثلما تحتاج إلى الخبز. فقد كان الفيلسوف جان جاك روسو الشهير يرسل إلى نفسه رسائل غرامية مملوءة بالحب بالبريد ويقرؤها وهو يتمشى ثم يجلس وينهار بالبكاء كأنها حقيقة ويقول: هل يوجد من يحبنى بحق؟.

ومهما تكن الحروب حولنا نحتاج إلى هدنة حب وسلام؛ فى أثناء الحرب العالمية الأولى التى سحقت ما يقرب من خمسين مليوناً وكانت جبهة القتال بين الألمان والإنجليز مشتعلة جاء عيد الميلاد فطلب بابا روما بندكت الخامس عشر أن يكون عيد الميلاد هدنة بلا حرب لأجل السيد المسيح، فرفض السياسيون الطلب. ولكن وسط أجواء الحرب جاءت ليلة الميلاد وتوقفت الأمطار فانتهز أحد الجنود الألمان هذا ووضع شجرة الميلاد فوق الخندق الذى فيه وأخذ يغنى ويرتل أغانى الميلاد واشترك معه باقى الجنود.

ووصل الصوت إلى البر الآخر، حيث الجنود الإنجليز، فوضعوا أيضاً شجرة الميلاد وخرجوا يرتلون ترانيم الميلاد وصارت سيمفونية الحب تصدح فى الأثير تتحدى قرارات الحرب والتدمير.

يقول نابليون بونابرت: أنا والإسكندر وقيصر وشارلمان أسسنا إمبراطوريات ولكن علام أرسينا قواعدها؟! على القوة! ولكن يسوع المسيح أسس إمبراطورية على الحب. وحتى هذه اللحظة هناك الملايين المستعدون أن يموتوا من أجله.

فيا أجراس الميلاد أقرعى فى قلوبنا، أعلنى نهاية الظلمة والليل... أقرعى بشدة فى قلب عالم متحجر لتعلنى شروق الحياة الجديدة… أقرعى فى حنايا صدورنا لتخبرينا عن نهاية الطمع والكراهية والشر... أقرعى فى ضمائرنا لتوقظى فينا إنسانيتنا، فنخرج لنمسح دموع الحزانى واليائسين، لنحتضن كل طفل يائس مسكين.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية