تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
شر العالم.. خيانة بشرية
نعيش فى حقبة من تاريخ البشرية تجمعت فيها كل عيوب البشر عبر التاريخ، حروب ودمار، وإلحاد وتشكيك فى المسلمات، وخيانة أوطان وجنون واستهانة بدماء البشر، وأمراض وأوبئة مصنعة. ووسط هذا كله نرفع عيوننا إلى السماء ويسأل البعض اللـه ويقول: «أهذا كله مشيئتك؟».
ولكن الحقيقة ليست هذه مشيئة اللـه، لأن اللـه هو الخير والحب، هو الحق، ولكن اخفض رأسك إلى أسفل لترى مَنْ باع، ومَنْ هان، ومَنْ خان، ومَنْ نشر الشر. كل هذا من صنع بشر باعوا أنفسهم للشر لمَنْ دفع واشترى ضمائرهم.
بعد الحرب العالمية الثانية تدخلت أمريكا بقوتها العسكرية فى فيتنام وأرسلت نصف مليون جندى هناك حتى لا تكون شيوعية، حسب نظرية الدومينو مع الاتحاد السوفيتى. وكانت فيتنام تحارب من الأنفاق التى امتدت حوالى 250كم ورغم فارق التسليح والتدريب، ولكن الروح الوطنية كانت أعلى من الروح الاستعمارية للقوات الأمريكية، وهذا ما أطال أمد الحرب لمدة تسعة عشر عاما.
ورغم سقوط ملايين القتلى من الفيتناميين فإنهم كانوا صامدين وأسقطوا من الجنود الأمريكان ستين ألفا بجانب التأثير النفسى الذى أصاب باقى الجنود، مما جعل الرئيس الأمريكى «نيكسون» يفكر فى التفاوض للانسحاب عام 1972م. وتحت ضغط المظاهرات فى الشارع الأمريكى بدأت المفاوضات، فطلب من الثوار الفيتناميين الحضور إلى باريس للتفاوض حول وقف الحرب بعد انتصار المقاومة الفيتنامية رجالا ونساء. فأرسل الثوار أربعة من قيادتهم امرأتين ورجلين، وكانت المخابرات الأمريكية قد جهزت لهم أفخم وأرقى فندق للإقامة مزودة بكل سبل الرفاهية والمتعة.
ونزل الوفد من الطائرة فى باريس فوجدوا سيارة فارهة تنتظرهم، ولكن الوفد رفضوا ركوبها وطلب مغادرة المطار، وأنهم سيحضرون الاجتماع بطريقتهم الخاصة، ورفضوا الإقامة فى الفندق الراقى، وسأل رئيس الوفد الأمريكى: «وأين ستقيمون؟»، فقالوا: «سنقيم عند أحد الطلبة الفيتناميين الذين يدرسون فى إحدى ضواحى باريس». فرد الأمريكان: «ولكننا جهزنا لكم إقامة مريحة فلماذا تتعبون أنفسكم؟»، فقالوا: «بالأمس كنا نقاتلكم وأنتم محتلون أراضينا وكنا ننام فى الجبال والأنفاق ونأكل الحشائش نتيجة وجودكم على أراضينا، فكيف نفاوضكم على الخروج من الوطن ونحن فى ضيافتكم الفاخرة، إن ضمائرنا لا تسمح لنا بهذا فمَنْ يبيع ضميره يبيع وطنه. دعونا وشأننا».وبالفعل ذهبوا إلى منزل الطالب الفيتنامى وقضوا عنده فترة التفاوض.
لذلك انتصر الفيتناميون على أمريكا رغم فارق الإمكانات، وهذا الدرس مهم لكل ثائر لأجل الوطن ليس فقط فى الحروب، ولكن الثائر لأجل الحق والعدل، فالثائر لأجل الحق لا يبيع ضميره لمَنْ يدفع. فقبل أن تسأل لماذا الشر ابحث عن ضمائر باعت نفسها للأشرار.
وفى أثناء وجود الاستعمار البريطانى فى الهند صفع ضابط إنجليزى مواطنا هنديا فرد عليه الهندى بنفس الصفعة بقوة أكثر حتى أسقطه أرضا، وانسحب الضابط وهو فى حالة صدمة فكيف تجرأ هذا الهندى على صفعه. وذهب إلى قائده يخبره بما حدث وطالبه بأن يرسل قوة لهدم بيته واعتقاله، ولكن القائد ابتسم وقال له: «لا بل خذ خمسين ألف روبية وأعطها لهذا المواطن واعتذر له». فصرخ الضابط: «كيف يحدث هذا؟»، فقال له: «اعتبر هذا أمرا اذهب دون نقاش».
وبالفعل ذهب وفعل هذا وأخذ الهندى المال واستثمره، وبعد فترة صار ميسور الحال، وعلم القائد فاستدعى الضابط وقال له: «أتذكر المواطن الذى صفعك اذهب الآن وأمام الجموع اصفعه بكل قوة»، فرد عليه: «قد يقتلني»، فقال له: «نفذ الأمر».
فذهب الضابط وكان الهندى وسط أنصاره فقام بصفعه حتى سقط على الأرض، ولكن الغريب أن الرجل قام ولم يجرؤ على أن يرفع نظره فى وجه الضابط. فعاد الضابط مندهشا وسأل القائد: «أريد أن أفهم لماذا لم يضربنى مثل المرة الأولى؟»، فقال له: «المرة الأولى كان فقيرا لا يملك سوى شرفه وكرامته وضميره غير الملوث فدافع عنه بكل قوة، أما الآن فقد باع نفسه وقبض الثمن فلم يستطع أن يرد لك الصفعة، لأن المال صار أعظم من شرفه وكرامته وحق وطنه». فمَنْ يبع ضميره لأجل منافع لا يمكن أن ينادى بالحق، وهذا يحدث دائما. وقد يكون الثائر مخلصا لقضيته إلى أن يأتى مَنْ يدفع ثمنا لإخلاصه فيصير خائنا.
وفى الكتاب المقدس قصة خالدة بطلها القديس يوحنا المعمدان الذى كان فى وقت هيرودس أنتيباس ملك اليهودية الذى أراد أن يتزوج امرأة أخيه فقال له: «لا يحل لك». وكان هذا هو الحق وصار صوته مزعجا له. وكانت هيروديا زوجة أخيه تريد أن تجلس على عرش المُلك بهذا الزواج، فسجن هيرودس يوحنا المعمدان علّه يُسكت صوت الحق، ولكن ظل صوته يتردد فى أرجاء القصر.
وطلبت هيروديا أن تقتله، ولكن هيرودس رفض، وفى إحدى ليالى الاحتفالات رقصت سالومى ابنة هيروديا وأعجب بها الملك ووعدها بتحقيق ما تطلبه فطلبت رأس يوحنا المعمدان. وبالفعل قطع هيرودس رأس القديس العظيم، ولكنه لم يستطع أن يُسكت صوت الحق، فقد عاش معذبا بصوته وكلماته وانتهت حياته بالنفى هو وهيروديا فقد حكم عليه كاليجولا إمبراطور روما بنفيه إلى ليون بفرنسا وجرده من كل أملاكه وأمواله هو وزوجته هيروديا.
الحق قد يُسجن يوما، ولكنه لا يمكن أن يموت، لأن الحق هو اللـه فلا يموت ولا يسجن ولا ينتهى، فقد يأتى يوما ويُعلَن لأن اللـه هو الحق.
يقول الشاعر محمود درويش: «ستنتهى الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل. لا أعلم مَنْ باع الوطن، ولكننى رأيت مَنْ دفع الثمن».
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية