تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

تحديات الهوية المصرية

يعيش المصريون منذ عقود وأجيال فى أزمة هوية نتيجة ثقافة وعقل مجتمعى غير متناسق وتيارات فكرية انصهرت عبر زمن وشكلت حالة غير محددة الملامح أحيانا إلا مَنْ استطاع أن يختار هوية حقيقية نابعة من عمق وفكر وانتماء حقيقي. وما زاد من المشكلة فى أيامنا هو الفضاء المفتوح والتواصل الاجتماعى غير المحدود وتوجيه الرأى العام الموجه من هيئات ولجان خاصة وتشكيل هوية مبنية على أكاذيب.

 

وتحديات الهوية تطال أيضا الهوية الدينية فحين يحاول الشخص أن يقترب من اللـه تنازعه تيارات مختلفة، وإن لم يسعفه عقله وروحه ويحاول أن يجد الحقيقة قد يقع فريسة إما للتطرف، أو الإلحاد، أو التشكيك فى المسلمات الدينية وتحت مسمى تنويرى براق، فصراعات الهوية تخلق إنسانا غير سوي.

ويقول المؤرخ الإنجليزى هوبل: إذا أردت أن تلغى شعبا تبدأ أولا بشل ذاكرته، ثم تلغى كتبه وثقافته وتاريخه، ثم يكتب طرف آخر كتبا أخرى له ويعطيه ثقافة أخرى ويخترع له تاريخا آخر عندها ينسى هذا الشعب مَنْ كان وماذا كان والعالم أيضا سينساه.

وتحديات الهوية المصرية تبدأ من مصريته نفسها؛ فمصر فى التاريخ حضارة عظيمة جدا، ولكن أغلب المصريين يجهلونها، يجهلون التاريخ نفسه ويجهلون اللغة المصرية القديمة. ويطوف الشاب وهو يبنى هويته بعينيه فيجد تماثيل وفنا وعبقرية فى معابد من آلاف السنين وفى الأهرامات، ولكن فى ذات الوقت يجد من يقنعه أنها أوثان ويجب ألا ينتمى إلى هذا الكفر. وللأسف لم يجد مَنْ يخبره بأن المصريين القدماء لم يعبدوا أوثانا وأنهم كانوا لديهم إشراق روحى عالٍ جدا فى معرفة الإله الواحد كما سنرى فيما بعد.

ثم يجد لغة قديمة على جدران المعابد ويسمع أناشيد بلغة مصرية قديمة سميت فى آخر تطور لها أنها القبطية. والقبطى يعنى المصرى، فيسمع مَنْ يحذره إياك وأن تتعلم تلك اللغة لأنها لغة الأقباط ولغة الكنيسة وأنها صورة من صور التبشير، ولم يجد من يخبره غير ذلك، ولم يجد من يعرفه أن اللغات لا دين لها وأنها نتاج ثقافى وحضارى خاص جدا، بل لا يجد فى مراحل التعليم المختلفة منهجا لمعرفة لغة الأجداد خوفا من مسمى أنها لغة قبطية، كما سنرى فيما بعد أنها لغة عميقة جدا وأصل لغات كثيرة.

ثم يأتى مَنْ يحاول أن يشوه الهوية المصرية بمسميات تاريخية مثل حركة الأفروسنتريك؛ وهى حركة ظهرت فى أمريكا عام 1928م. وهى حركة تحاول أن تسرق حضارات العالم القديم وتنسبها إلى اللون الأسود للبشرة. وهذا كان يسير مع حركة نهضة هارلم منذ عام 1918م إلى أواخر الثلاثينيات وهى ما كانت تسمى الحركة الزنجية الجديدة.

وهارلم نسبة إلى الحى الذى كان يسكن أغلبه من الزنوج الأمريكان وهى حركة انتشرت بعد الحرب الأهلية الأمريكية وكانت تسعى إلى توفير حياة ومعيشة أرقى للزنوج وجمعت مثقفين ومفكرين وفنانين واشتروا كنائس ومسارح وصحفا ومجلات لفرض هوية جديدة على المجتمع الأمريكى، ومعها ظهرت حركة الأفروسنتريك التى من أهدافها القضاء على العرق الأبيض فى إفريقيا ويروجون أنهم أصل الحضارة المصرية القديمة وحضارة قرطاجنة فى شمال إفريقيا، بل إن المصرى القديم هو المصرى الأسود وأما أصحاب البشرة الفاتحة هم مماليك ووافدون على مصر نتيجة الاحتلال بصوره المختلفة لمصر ويستغلون الجهل بالتاريخ المصري.

وفى تاريخنا المصرى القديم كان هناك مصطلح اسمه الأقواس التسعة وهو وصف لأعداء مصر، وكان يستخدم على الأعداء التقليديين الذين منهم الشعوب النوبية والآسيوية فتوجد أسماء الأقوام حاونبو سكان البحر المتوسط، تامحو آسيا، تا شمعو كوش وهم سكان إقليم النوبة والسودان وإثيوبيا، ثم التحنو ليبيا، الأونتيو سيتى النوبة، بجتيو شو أحد شعوب الجنوب، المونتيو-نو-ستت الآسيويون، سخت يام الواحات.

وهذه القائمة ترجع إلى عهد أمنحتب الثالث فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد وهو الذى قام بحملة على السودان ليخضع ثورة هناك.

فإذا كانت هذه الشعوب هى التى تعلن قائمة الانتصارات التسعة على أن المصريين القدماء استطاعوا الانتصار عليهم وسادت سلطتهم عليهم فكيف يكون أحد هذه الشعوب هم أصل الحضارة؟! ولكن فى فترة الضعف الذى حدث من الأسرة الثانية والعشرين أى عام 920 ق.م إلى الأسرة السادسة والعشرين حيث ضاعت هيبة العرش المصرى ودخل إلى أرضنا القبائل الليبية ثم الكوشيون أو سكان النوبة والسودان وإثيوبيا حيث حكموا باسم الأسرة الخامسة والعشرين عام 720 ق.م، ولكن الحكام الأجانب الليبيين والكوشيين حين جاءوا إلى مصر ارتدوا الزى المصرى القديم وعبدوا الإله المصرى لأنهم أرادوا أن يأخذوا هذا المجد، ولكن هل هذا يعنى أنهم هم أصل الحضارة أم أنهم جاءوا ليستفيدوا من الحضارة؟!

ومثلهم مثل الإسكندر الأكبر الذى جاء إلى مصر وكان يظن أنه الفاتح العظيم، ثم دخل إلى معبد بتاح فى منف عام 332 ق.م وأقيمت الشعائر المصرية القديمة لتتويجه ملكا مصريا. وذهب إلى معبد آمون فى سيوه عام 331 ق.م وحين منعه كاهن آمون لأنه يرتدى ملابس عادية ألبسوه ملابس مصرية ووقف الكاهن وأعلن أنه ابن آمون. وقال الإسكندر: «إذا جعلنى آمون سيد العالم، سأكون ابنه على الدوام».

وعاش يرتدى ثوب ابن آمون، وبالفعل بعدها صار ملكا على العالم وأوصى حين يموت أن يدفن فى مصر. ومات فى عام 323ق.م ودفن فى سقارة أولا فى جنازة مهيبة ثم نقل إلى الإسكندرية. الهوية المصرية هى أعز ما لدينا رغم كل ما نعانيه، ولكن سرقة هويتنا وحضارتنا هذا هو المقال القادم إن شاء اللـه.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية