تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

أيام وسنون وماذا بعد؟

بعد أيام ينقضي عام ويأتي آخر، في ليلة شتاء رمادية اللون تتسلل أيام الماضي كشبح يغادر العمر مع صوت موسيقى كان صاخبا ثم بدأ يخبو حتى يصمت مع دقات الساعة التي تعلن عاما جديدا في العمر، صار من الماضي.

ونسمة برد تسري في جسد منهك من إيقاع حياة متسارع وكأن هناك مَنْ يطاردنا، حروب وأمراض وأصوات صاخبة ومشاجرات، وجوه تنكشف، ودموع ودماء، ويأتي صوت من السماء تسمعه الروح يدخل إلى الأعماق يعلن أنها نهاية أيام وساعات وتأتي بداية جديدة وعام جديد.

والحياة هي أيامنا التي ترسم حياتنا، وفيها ثلاثة أبعاد للوجود مع اللـه والآخر والذات، وبقدر ما يكون الإنسان له معرفة حقيقية ومعاشة بكل وجود في حياته بقدر ما يستطيع أن يحيا سعيداً. وبقدر ما تكون صورة حياته مشوشة بقدر ما يتخبط ويسقط.

فالإنسان الذي يعي نفسه ويعرفها يستطيع أن يضع لنفسه صورة لحياته وإيمانه. وفي معبد الأقصر لأجدادنا القدماء المصريين كُتبت عبارة «اعرف نفسك»، ثم نقلها سقراط إلى الفلسفة اليونانية التي تعني الوعي الذاتي وأن الإنسان ليس مجرد ترس يعمل في ماكينة كونية أو مجرد كائن مادي يسعى للإشباع الذاتي، بل هو مخلوق له عمق روحي لابد أن يدركه ويعيشه فيقول السيد المسيح: «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه»، فالتناسق المادي والروحي في الإنسان ضرورة لسعادته الداخلية.

وأما البعد الأكثر تعقيدا هو الآخر حتى أن الفيلسوف «سارتر» كتب مسرحية «باب مقفل» عام 1944م لثلاثة أشخاص قد ماتوا وصاروا في غرفة تمثل الجحيم وظلوا يعذبون بعضا من خلال حكمهم المتبادل على بعض وعدم قدرتهم على الهروب من بعض، وكتب فيها جملته الشهيرة «الجحيم هو الآخرون».

وبالطبع ليس كل الآخرين، ولكن حين تعيش وسط عالم تسوده النزاعات المادية وتمتهن فيه كرامة الآخر، ويساق الملايين إلى حروب، وتحاك المؤامرات لنشر الأمراض فقط لأن هناك مَنْ يستفاد من هذا الظلم والبؤس الذي يعيشه الآخر فأي حضارة وأي تقدم للعالم الحديث مع تلك الفئة من الآخرين؟!.

فالآخر حين يكون إنسانا حقيقيا نرى البيوت يسكنها الحب ويشرق فيها نور الحياة، وحين يكون أصحاب الأعمال في قلوبهم رحمة نجد العمال والموظفين يشعرون بقيمة حياتهم ولا تمتهن كرامتهم لأجل لقمة العيش.

ورجل الدين حين يقدم الحياة الروحية دون ترهيب ويرسم ملامح الإله على حقيقته المحب الذي يحتضن ويكون الإيمان حصناً ضد السقوط في الرذائل تكون الحياة أفضل، ولكن يكون الجحيم هو الآخرين حين يحول الآخر حياة مَنْ حوله إلى مأساة يومية، وحين يسحق القوي الضعيف ولا يبالي بمشاعره أو قتله معنويا وإنسانيا.

في منتصف القرن التاسع عشر نشر الكاتب الإنجليزي «تشارلز ديكينز» قصة اسمها «ترنيمة عيد الميلاد» يحكي فيها عن رجل أعمال ثري صاحب شركة حاد الطبع وقاس على كل مَنْ حوله لا يبالي بمشاعر الآخرين وقد مات شريكه في ليلة عيد الميلاد وكان حاد الطباع مثله ولم يكن يشفق على الفقراء ويعتبر احتفالات عيد الميلاد وإشباع الفقراء إهدارا للمال. وفي ليلة عيد الميلاد ذهب لينام بلا فرح ولا احتفال فظهر له صديقه وشريكه شبحا مقيدا بالسلاسل ويحذره من أن يعيش كما عاش ويموت كما مات، وأن مصيره سيكون مثله وأن اللـه سيرسل له ثلاثة أرواح تساعده فى تغيير حياته.

الروح الأولى هى روح الماضي الذي يعرض له حياته من الطفولة ويخبره عن أيام السعادة الحقيقية، وأن الحب وحده هو مَنْ يعطي السعادة، وقد فقد كل هذا عبر حياته الماضية. ثم أتى روح الحاضر ليعلمه أن العطاء والحب ومساعدة المحتاجين هي سر السعادة في ليلة الميلاد، وأخبره بقساوة ما فعله مع عائلته وموظفيه رغم احتياجهم. ثم أتى إليه روح عيد الميلاد القادم روح صامت مخيف يرتدي رداء أسود يظهر له مستقبله حين يموت وحيدا ولا يحزن أحد عليه وتذهب أمواله التي عاش لأجلها إلى آخرين وهو ملقى في قبر حقير.

وتتسارع ضربات قلب هذا الغني ويطلب فرصة جديدة. ويستيقظ وهو يرى كل شيء جديداً وأن أيامه القادمة لابد أن يقدم فيها الحب والخير للآخرين قبل أن ينتهي به مصيره كما أخبره الروح.

يقول الشاعر «محمود درويش»: «يحاصرني واقع لا أجيد قراءته، قلت إذن أكتب ذكرياتك عن نجمة بعدت وغد يتلكأ. واسأل خيالك هل كان يعلم أن طريقك هذا طويل؟ فقال، ولكني لا أجيد الكتابة يا صاحب، فسألت إذا كذبت علينا؟ فقال على الحلم أن يرشد الحالمين كما الوحي، ثم تنهد وقال خذ بيدي أيها المستحيل. وغاب كما تنتهي الأساطير. لم ينتصر ليموت ولم ينكسر ليعيش فخذ بيدنا معا أيها المستحيل».

ويقول الكاتب الروسي دوستويفسكي: «كنت أظن أنه مجرد حلم وسأستيقظ، ولكني عندما طال علمت أنها حياتي». وهنا تأتي الأهمية القصوى للبعد الأقوى وهو علاقتنا باللـه لأنه وسط هذا العالم المتصارع والقوة المنهكة داخلنا من تعب كل ما حولنا يحتاج إلى إله قوي يحتضن وجودنا الضعيف والمتهاوي أحياناً ويرفع عنها اليأس والضيق.

نحتاج إلى إله يحبنا ويعوضنا عن كراهية وخيانة البشر، إله يعطينا سلاما وسط مشاعرنا المرتعدة من كل شيء، يقول القديس بولس في رسالته: «ليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام في الإيمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس».

أيها المتعب والمتألم أرفع رأسك بيقين لأنه يوجد إله حقيقي أعطى لك فرصة جديدة وحياة جديدة وهو يشرق برحمته على كل العالم،
كل عام وأنتم طيبين.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية