تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الماسونية وزمن كسر المسلمات «1»
لا يظن أحد أن ما يدور حولنا هذه الأيام هو وليد الصدفة أو نتاج هذا العصر، للأسف أننا نجنى فى عصرنا خطة مرسومة قبلا من جماعات ظلت لعدة قرون تعد العالم والبشرية إلى تلك الهمجية التى نعيشها، همجية سياسية واقتصادية وفكرية، ومحاولة هدم كل ما هو قائم حتى تبنى على خرابات العالم عالما جديدا الذى تتحكم فيه الماسونية وجماعاتها الكثيرة التى تحت تدبيرها.
فالمطارق التى الآن تهدم الجدار الذى يسندنا قد أعدت قديما، وان السند الباقى لنا هو إيماننا وعقائدنا وما تسلمناه عبر عصور كثيرة له أعماق كبيرة فى تكوين العقل الجمعى للمجتمع الذى إذا سقط، فلا أحد يدرك ماذا سيبقى لنا؟
ففى النشرة الرسمية الماسونية التى نشرتها فرنسا عام 1866م كُتب فيها: نحن الماسونية علينا أن نتحرر من كل اعتقاد بوجود الإله لأنه لم يبق أحد يؤمن بالإله والخلود سوى الحمقى، وعلينا أن نصور الإله للشعوب بأنه ينبوع الاستبداد، وتنشر الحرية بعيدا عنه.
وقد سيطرت الماسونية على مفكرى عصر النهضة ليرتبط التنوير بهدم المسلمات، وبالتالى تخرج أجيال لا تؤمن بالموروثات والتقاليد الدينية، بل يصير كل من يؤمن بها من العصور الرجعية، وأن الاستنارة والحرية هى كسر الأمور الإيمانية. وقال سبينوزا الفيلسوف الهولندي: الإله ليس ما تصوره الديانات، بل هو روح فى كل الموجودات. والفيلسوف الإسكتلندى، ديفيد هيوم» (1776م) كتب كتابا اسمه، «التاريخ الطبيعى للدين» رفض فيه وجود الإله.
وفى نفس العصر كان جان جاك روسو (1778م) الذى يعتبرونه المتنورون من أفضل فلاسفتهم، كتب عن رفضه لما يسمى بالوحى الإلهى وأن الدين ضرورى للسيطرة على الشعوب فقط. ومن فلاسفة التنوير أيضا فولتير (1778م) قال: الدين مجرد عاطفة ورموز.
ثم حدث تطور جديد فى أفكار التنويريين من بداية الفيلسوف هيجل (1831م) الذى كتب أن كل الأديان مجرد أساطير وكانت ضرورة فى مرحلة من تاريخ البشرية. وبدأت مرحلة أطلق عليها الحداثة حتى يكون ما قبلها عصورا قديمة ويجب أن توضع فى المتاحف فقط كما قال فولتير.
والحداثة هى عصر التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تمت فى القرن السابع عشر بالثورة اللوثرية على سلطة الكنيسة الكاثوليكية، ثم الأمريكية عام 1765م ثم الثورة الفرنسية عام 1789م،. وعندها بدأت حركة النقد العالى لأنه ظهرت مدرسة النقد الأدنى، وهى مهتمة بدراسة مدى الثقة فى المخطوطات ومقارنة ما بين أيدينا من نسخ للكتب المقدسة، وهى تعترف بالوحى الإلهى، ولكن تدرس مدى تطابق المخطوطات ودراسة البيئة والظروف التى كانت فى أزمنة الوحى المقدس. ولكن ظهرت جماعة النقد الأعلى لأنهم رفضوا الوحى المقدس.
سألوا كانت ما هو التنوير فقال: خروج الإنسان من مرحلة القصور العقلى الذى يعنى التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصى واتخاذ قرار دون استشارة الوحى عليه.
عام 1729م كتب الأب الفرنسى جان ميسليه كتابا اسمه «الوصية» ينادى فيه بالتحرر من الرؤية الدينية وأن العقل وحده قادر على تحرير الإنسان والدخول فى حالة التنوير. ثم كتب جون درايدن مسرحية ظهرت فيها شخصية الهمجى النبيل، وهو الإنسان الخير الفطرى الطيب المسالم الذى لم تفسده الحضارة، وتلقى جان جاك روسو وروج لهذه الفكرة «الهمجى الجميل هو الإنسان المتحرر من كل قيوده ويمارس حريته برفض كل ما هو موروث سابقاً ويعيش ما سماه الحداثة».
وخرجت بعد هذا مدارس ومفكرون ينقدون الكتب المقدسة دون معرفة عميقة بالأمور اللاهوتية أو الوحى المقدس فظهر المذهب الطبيعى، أى لا يوجد شيء فوق الطبيعى ولا معجزات ولا وحى مقدس. والمذهب الأسطورى الذى ينادى بأن كل الديانات والكتب المقدسة مجرد أساطير.
وكتب دافيد شتراوس أستاذ اللاهوت الألمانى كتابا اسمه «حياة يسوع» شكك فيه وجود السيد المسيح وأنه أسطورة غير واقعية. وجاء آخرون من هذه المدرسة وبدأوا فى نقد النصوص المقدسة مثل هرناك الألمانى، ولوزاى الفرنسى، وألبرت سوايزر، وجراهام سكروجى كل هؤلاء أخذوا يشككون فى النصوص بما يسمى النظرية العلمية وحسب الاكتشافات الأثرية. ولكن سنرى فيما بعد أنه حدثت اكتشافات أسقطت نظرياتهم تماما لأنهم بنوا نظرياتهم على ما بين أيديهم من معلومات واكتشافات وهى بالطبيعة غير كاملة وقاصرة جدا.
وفى الألفية الثانية كانت أجراس الماسونية تدق على زمن حصد التخطيط من القرون الطويلة لإعلان عالم جديد تحكمه هذه الجماعة. وظهر مسمى جديد لدى المفكرين اسمه ما بعد الحداثة قالوا فيه: يجب تعريف الديانات والهوية الثقافية على أنه نتاج بشرى لا يمكن لأحد أن يحكم عليه، بل لنفتح الأحضان لكل هذا باسم الإنسانية لكل من يحمل هوية وثقافة ودينا. ولعل القراءة الأولى لهذه الفكرة تصب فى محتوى التسامح الدينى وقبول الآخر، ولكنهم قالوا أيضا: الفوضى العدمية هى التى تصنع الإنسانية الجديدة، فيجب النظر إلى كل الموروثات الدينية بما فيها نصوص الكتب المقدسة والأمور اللاهوتية على أنها مجرد موروث بشرى ثقافى. والواقع الحقيقى ليس كما هو فى الأذهان، لذلك لا يمكن الحكم على أى دين أو ثقافة على أنها حقيقة مطلقة، فالعلم والتاريخ والدين متغيرات، لذلك فلنعلن الحرية المطلقة فوق الأديان والثقافات المختلفة.
وانتشرت هذه الأيام أصوات تعيد نفس الكلام القديم عن عدم وجود الأنبياء وأن الديانات أساطير، بل لا يوجد ما يثبت خروج بنى إسرائيل من مصر أو حتى عن وجود شخصية السيد المسيح. وهذا المقال القادم إن شاء اللـه.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية