تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > القمص ـ أنجيلوس جرجس > أجدادنا المصريون لم يعبدوا أوثانا

أجدادنا المصريون لم يعبدوا أوثانا

بعد افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يحتوي عرض أعظم حضارة في التاريخ ممثلة في توثيق حضاري بطرق مختلفة منها النقش على الأحجار وتماثيل وتوابيت أجدادنا. وبينما يقف العالم بأسره احتراما وتقديرا لتلك الحضارة التي صنعت أمجادا سبقت كل إنجازات البشر، وكانت هي الأساس العلمي والثقافي والحضاري للحضارة الإنسانية. تظهر أصوات شاذة بلا معرفة ولا علم أو ثقافة تزعم أن أجدادنا كانوا وثنيين

 وللأسف يوجد مَنْ يصدق، وهذا نابع من جهل الكثيرين بحضارة مصر.

وما يهمني بالأولى أن أوضح أن أجدادنا عبدوا الإله الواحد كقوة حقيقية خالقة ومدبرة للكون، وحين عجزوا عن معرفته وإدراكه لأنهم لم يكن لديهم إعلان إلهي سماوي فقد صاغوا أفكارهم عن الإله الواحد كقوة يحل في كائنات معينة مخلوقة يستخدمها في إتمام عمله، ولأنه الإله الخالق والقدوس فحين يحل في هذه الكائنات تصير مقدسة وتنتمي إلى العقل الإلهي فتسمى هذه الكائنات باللغة المصرية القديمة «النترو». والكلمة في المعنى المباشر لها تعني «كيانات فعالة إلهيا» أو «كائنات مقدسة» فهي ليست آلهة كما ترجمها البعض، ولكنها تجليات الإله الواحد في كائنات معينة.

لذلك فالنيل والشمس والهواء والأرض والخلود من عمل اللـه، لذلك فهي ليست آلهة حسب الفكر المصري القديم، ولكنها تجليات القوة الإلهية في الكائنات.

كما أن «النترو» ممكن أن يكون بشرا أخذوا قوة الإله مثل «توت» أو «تحوت» العالم الكبير. فالنترو هو صور وأشكال لقوته وصفاته، ولكنهم لم يعبدوا الأشخاص والأشكال في حد ذاتها.

لذلك أطلق على الإله الذي يعبدونه اسم «آمون» وهو يعني «الإله الخفي» الذي خلق الكون، والمعنى الأدق في اللغة المصرية القديمة «الجوهر الإلهي الذي لا يُرى».

ونرى هذا في نقش في معبد الكرنك لـ«تحتمس الثالث» وقد أقرن اسم «آمون» مع «رع» ليكون الوجه المرئي للجوهر الخفي للإله.

وفي كتاب «الخروج إلى النهار» الذي تُرجم اسمه خطأ «الموتى» يقول: «السلام عليك أيها الإله الواحد الحق، جئت إليك خاضعا لأشهد جلالك، جئتك إلهي متحليا بالحق فلم أظلم أحدا ولم أسلك سلوك الضالين. أنت الأول وليس قبلك شيء، أنت النهاية وليس بعدك شيء».

ويقول في بردية «إنسنجر» التي عُثر عليها في القرن الأول وموجودة في متحف لندن: «الإله العظيم وأعظم من البداية هو الواحد القدوس الأبدي الذي لا أحد مثله».

وفي نشيد إخناتون المسمى «نشيد إيدن» تقول: «إله واحد لا مثيل له خلقت الأرض بإرادتك وحدك، أيها الجميل القوي، أيها الظاهر الباطن الواحد الذي لا إله غيره».

وفي نشيد آمون رع يقول: «الكائن في كل شيء الوحيد في طبيعته، إله الآلهة ورب الأرباب، رب الأزلية الذي بكلمته خلق الإنسان وأوجد الحياة، إله الرحمة الذي يستجيب لتضرعات المتضايقين ويقضي للمظلوم من الظالم، صاحب الجلال».

ولقب المصريون القدماء الإله أيضا بلقب «آتون» ويعني «كيان النور»، وكان يرمز له بقرص الشمس، لكنه ليس هو الشمس ذاتها، فهذه رموز تقريبية للفكرة الأعمق والتي من الصعب التعبير عنها.

كما كانت الشمس أيضا تشير إلى الإله رع وهم اسم يعني «اللامع» أو «المضيء» وهذا وصف بشري لقوة الإله، والنور الذي يُخرجُ الظلمة والعدم إلى الوجود والحياة.

وحين أراد اللـه أن يعلن ذاته ويكلم شخصا من شعبه اختار موسى النبي الذي قال عنه الفرنسيون في كتاب «وصف مصر»: «إن موسى قد تلقى من مصر كل علوم المصريين، وتعلم الشعر والترتيل منهم، حتى إن موسى النبي وأخته مريم سبحوا بالطريقة المصرية حين خرجوا من أرض مصر».

فقد كانت تعاليم مصر عن الإله الواحد في ذهن موسى النبي قبل أن يتجلى الرب على جبل سيناء ويشرق له من هناك.

وقد كتب آباء الكنيسة عن هذا بالتفصيل فيقول «إكليمندس السكندري» في القرن الثاني ـ مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ـ في كتاب «الستروماتا» عام 190م: «تعلم موسى النبي حكمة المصريين كلها، وقد استخدم اللـه ذلك العلم كأداة يعده بها نبيا، وإن كانت حكمة المصريين ناقصة فأكملها الرب بشريعة سماوية».

وهذا يؤكد أن الرب لم يكن يرى أنهم عبدة أوثان. والقديس «باسيليوس» أسقف قيصرية في القرن الرابع يقول: «تعلم موسى النبي الفلك والعلم والحكمة من المصريين وهذا مهد له الطريق أن يرى اللـه».

ويحدثنا سفر الخروج عن تجلي الإله على جبل سيناء لموسى النبي وكيف كلمه من خلال شجرة متقدة بالنار ولم تحترق، وحين اقترب منها قال له الرب: «اخلع نعليك لأن الأرض التي أنت واقف عليها أرض مقدسة، أنا إله أبيك إله إبراهيم واسحق ويعقوب».

وكان موسى النبي قد تعلم أن الإله لا يُرى ولا أحد يعرف اسمه فقال للرب: «حين يسألونني عن اسم الإله ماذا أقول لهم؟»، فقال الرب: «أنا الكائن»، أي هو الكائن الحقيقي الذي يُعطي الحياة والوجود. وهذا ليس اسما، بل يعد وصفا لطبيعة اللـه لأن موسى النبي تعلم أن الإله يناديه المصريون بصفاته الإلهية، ولكن كل هذا كان ظلالا للحقيقة التي أدركها أجدادنا عن الوجود الإلهي الواحد.

وحين جاء مارمرقس يبشر مصر بالمسيحية دخل عند إسكافي ودخل المخراز في أصبعه فصرخ: «يا إلهي الواحد»، وهذا يعني أن العبادة المصرية كانت الإله الواحد.

ويقول الكاتب «جورج جيمس» في كتابه «التراث المسروق»: «إن مصر تعرضت لعملية تشويه كبيرة ثقافيا، وعانى أهلها من عنصرية كبيرة منذ سقوط الحضارة المصرية إلى انبعاث حركات النهضة»... وفي النهاية تحيا مصر أم الدنيا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية