تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

«أورشليم» مملكة الصراعات

لم يكن سقوط الرها على يد «عماد الدين الزنكي» حاكم الموصل وحلب عام 1144م ذا أثرٍ عسكرى فقط، فقد كان للرها موقع مهم يتيح السيطرة على المنطقة، بجانب أنها أول إمارة صليبية من الحملة الأولي، وتعتبر رمزا لانتصار الجيوش الغربية، وكانت أحد أهم أربعة مراكز للصليبيين، لذا كان سقوطها صدمة كبيرة للمجتمع الأوروبي.

سقطت هذه المدينة رجس فى وقت كانت أوروبا كلها فى حالة غليان، فبعد موت «لوثر الثالث» ملك ألمانيا وإمبراطور المملكة المقدسة عام 1137م لم يكن له وريث فانتخب «كونراد الثالث» حفيد «هنرى الرابع» ملكا، ورفض هذا بعض النبلاء فصار هناك صراع.

 

وفى روما كانت هناك حركات ضد الكنيسة الرومانية لتدخلها فى السياسة، وانتشرت هذه الجماعات، وبالرغم من اختلاف أفكار كل جماعة فإنهم اشتركوا جميعا فى رفض سلطان بابا روما السياسي. ووصل الانقسام ذروته حين مات بابا روما «هونوريوس الثاني» عام 1130م، وتنافس فريقان لوضع مَنْ يؤيدهما على كرسى روما. وهما «إينوسنت الثاني» الذى كان يسانده «برنار» الرجل القوى فى الكنيسة والذى سيقود الحملة الثانية فى الحروب الصليبية، والفريق الآخر «أناكليتوس» وهو من أصل يهودى وتسانده عائلات كبيرة. واستطاع «برنار» إقناع ملوك أوروبا بالبابا «إينوسنت الثاني» الذى عاد إلى روما وعقد مجمع لاتران الثانى عام 1139م، والذى عُقد نتيجة ثورة كبيرة انتشرت فى أوروبا يقودها الراهب «أرنولد» من مدينة بريشيا فى إيطاليا، وكان ينادى بفصل الكنيسة عن الدولة، وتخلى رجال الدين عن مظاهر الرفاهية، وتكوين حكم مدنى فى روما.
وكان يسانده راهب اعتنق أفكارا فلسفية اسمه «بيتر أبيلارد» كانت له شعبية كبيرة، لأنه نادى بإصلاح الكنيسة فى روما.

وتطورت الأمور وظهرت جماعات أخرى مثل جماعة الكاثارى أو الأطهار وفقراء ليون فى فرنسا والتى كانت الأساس الفكرى والعقيدى للبروتستانت فى القرن الخامس عشر. وحكم مجمع لاترن على «بيتر أبيلارد» و«أرنولد» وآخرين بالهرطقة والنفى ومطالبتهم بالتوبة.

ومات «إينوسنت الثاني» عام 1143م وبدأت ثورة كبيرة سياسية اسمها ثورة «الكومونات»، و»الكومون» كلمة لاتينية تعنى الملكية الجماعية أو اشتراك الشعب.

وظهر قائد سياسى للثورة اسمه «جيوردانوبيرلوني» أحد النبلاء الذى نادى بأفكار «أرنولد» عام 1144م. وبدأت حركة شعبية انفصلت فيها مدن إيطالية عن روما، وانضم لها «أرنولد» ، وجلس فى هذه الأثناء بابا روما «يوجين الثالث» عام 1145م، ولكن لم يستطع أن يدخل روما نتيجة حركة «كومونة روما الانفصالية» فهرب إلى جنوب إيطاليا.
ووسط هذه الأجواء المشحونة واهتزاز عروش ملوك أوروبا حضر وفد من الإمارات الصليبية فى الشرق، على رأسهم الأسقف «هيو» أسقف مدينة «جبلة» فى سوريا مع آخرين من القدس وأرمينيا وقابلوا بابا روما «يوجين» ومعه الأسقف «برنار» الذى عينه «يوجين» مستشارا له، وأطلعوهما على ما حدث فى الرها وأن الوضع خطير ويهدد كل الممالك اللاتينية أو الصليبية فى الشرق إذا لم تعد جيوش أوروبا بحملة جديدة.

وكانت فكرة حملة جديدة بمثابة إنقاذ للوضع فى أوروبا لهؤلاء الملوك والبابا، ففكرة الحرب المقدسة ستشغل الشعوب ضد الاستقلال والثورات القائمة، ولكن كان الحديث عن التخوف من الهزيمة لأن جيوش أوروبا لم تعد قوية ولا موحدة بجانب ضعف تأثيرهم على الشعوب.

وهنا جاءت فكرة للأسقف «هيو» وهى كذبة أسطورية كما دونها الأسقف «أوتو» فى كتابه الذى كتبه عن أخيه «فريدريك» ملك ألمانيا باسم «أعمال فريدريك» فقد قال الأسقف «هيو» للبابا «يوجين» إن هناك مملكة عظيمة تواصل مع ملكها وهو قس اسمه «يوحنا» وادعى بأنه نسطوري- «نسطور» مهرطق أدين فى مجمع أفسس المسكونى عام 431م- حتى لا يبحث أحد عن تبعيته للكنسية. وأن مملكته فى أقصى الشرق وراء بلاد فارس، وهو من سلالة أحد المجوس الثلاث الذين قدموا الهدايا حين ولد السيد المسيح فى بيت لحم، وأن المملكة غنية جدا تعيش فيها مخلوقات أسطورية، ولها جيش قوى ويسودها العدل. ووجدت وثيقة مزورة عن هذه المملكة فيما بعد عام 1165م فى بيزنطة، وأن هذا الملك مستعد للدخول معهم فى الحرب، وبالطبع لم تكن هناك مملكة وظلوا بعد الحروب يبحثون عنها حتى قيل إنه كان يقصد الحبشة، لأن ملكها كان مسيحيا. وعلى الفور دعا البابا «برنار دى كليرفو» أن يقود هذه الحملة ويحشد الملوك والشعوب للانطلاق إلى الشرق وخوض حرب صليبية ثانية.

وبدأ «برنار» فى أول خطاباته الحماسية فى أحد الشعانين عام 1146م فى حضور ملك فرنسا «لويس السابع»، ووسط حماس الشعب مزق «برنار» ثوبه الأبيض ووزعه على الجموع ليصير الصليب على ثوب الجنود. وكتب إلى البابا رسالة يقول فيها: «لقد صارت المدن والقرى خالية من الرجال، فقد تطوعت كل الشعوب للحرب».و»برنار» هذا كان قد كتب دستور فرسان المعبد وساندهم. وتحمس للحرب أيضا «كونراد الثالث» وقاد ابن أخيه «بارباروسا» الجيوش التى بلغت عشرين ألفا، وقاد «لويس السابع» جيشا من ثلاثين ألفٍا وسافرت معه زوجته «إليانور» وكان أمير أنطاكية «ريمون» خالها.

وانضم إلى الحملة «أماديوس الثالث» كونت منطقة سافوى وصديق البابا، وقد اقترض من دير سانت موريس لتغطية نفقات جيشه.

وهكذا كانت المطامع والصراعات السياسية هى المحرك للحملة الثانية كالأولي، ولا عزاء لدماء الأبرياء كما يقول الشاعر «محمود درويش»: «ستنتهى الحرب ويتصافح القادة، وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل. ولا أعلم مَنْ باع الوطن، ولكننى رأيت مَنْ دفع الثمن».

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية