تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

جرّاح النفس المصرية

وسط حقول تبهر العقول بخضرتها المزدانة، وخصوبتها الفتانة امتد براح الفتى القروى الذى تشربت روحه قطرات الحسن المركزة شهداً رائقاً، ورحيقاً صافياً، وأحس الفتى المنذور للخدمة فى محاريب الجمال أن وطنه الذى أطل عليه وشجهه فى مسقط رأسه هو أبهى الأوطان، وقد ناداه منتدباً إياه لتضميد جراحه، وعلاج أوجاعه، فصار انتماؤه اليه حتماً مقضياً،

وأصبح ارتباط أديبنا الفذ د. يوسف إدريس - الذى نحتفل مع مصرنا كلها بذكرى رحيله عن دنيانا هذه الأيام - ببلده قصة عشق حقيقية فمن أجل مصره تحول «إدريس» إلى جراح، وطبيب يداوى الهموم والجراح على الرغم من أن تخصصه كطبيب لم يكن كذلك،

ولكن لتيقنه أن النفس المصرية تحتاج إلى من يشرح مكنون خلاياها، وينفذ إلى أعماق خباياها حتى يستطيع أن يعبر عنها بصدق، ويسمعنا صوت أناتها الخفية ،ومن أجل ذلك هجر د. يوسف إدريس مهنة الطب ولاذ بالأفق الأرحب فى دنيا الكلمة، وعالم الأدب تعميقاً للدور، وتوسيعاً لنطاق الرسالة، فمشكلة مجتمعاتنا الطيبة لا تنحصر فى شيوع المرض، وتمشى الأوجاع الجسدية، ولكنها أكثر تعقيداً ربما تتجاوز الثلاثية البغيضة: الفقر، والجهل، والمرض،

لذا صار الطبيب أديباً صاحب رسالة تبحث فى العمق، ولا تقنع بالتحرك على السطح، ولم يهدأ القلم المقاتل العنيد يوماً، بل صار مشرطاً جراحاً يفتح الجروح المتقيحة، ويتصدى للبؤر المزمنة،

ومضت حياته مع المعارك، والجراحات المعقدة المرهقة حتى سقط الجسد الجريح، ولكن ظلت الروح الوهاجة، والكلمة الوثابة ترفرف حية فى الآفاق.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية