تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الضلع الغائب فى المثلث!

(.. وأرانى ألمح طيف تحالف إقليمى (اضطراري) غير متوقع بالمنطقة سيولد من رحم تلك الأزمة) ــ هكذا كان نص ما كتبت فى نهاية مقالى الذى تم نشره على صفحات جريدتنا الغراء ــ الأهرام ــ بتاريخ ١٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وكان بعنوان (اندفاع حماس.. وعماء إسرائيل)، أى بعد عشرة أيام تحديدا من تاريخ الهجوم الحمساوى على غلاف غزة، ذلك الهجوم الذى لم تخمُد نيرانه حتى هذه اللحظة، وامتدت ألسنة لهيبه إلى درجة باتت تكاد تقرع الأبواب.

ولأن هناك فرقا كبيرا بين أعمال التنجيم، واستشراف الأحداث من واقع قراءة معطيات الحاضر، فإن المرء يقف حائرًا ما بين حتمية الإفصاح عما يجيش بصدره وتنميق الكلام.

ولأن الإسهاب فى التفصيل غالبا ما يصعب فى بدايات الأزمات، ذلك لأن الناس مذاهب، وليس كل الناس سواسية فى رؤية الأشياء، فمنهم من يستطيع أن يستشرف المستقبل بسهولة، ويرى الحقائق رأى العين واضحة جلية، ومنهم من تربكه أحداث الواقع تماما، فلا يكاد يبصر ما يبعد عن ناظريه ولو بخطوة واحدة، وإن كان ظاهرًا للعيان، لذا فإن المرء غالبا ما يجنح للترميز كوسيلة للتعبير عن مكنونات مخاوفه، لعل اللبيب بالإشارة يفهمُ، أو لعلها الأحداث تكشف الرؤية بما يسمح بكشف النقاب عن مكنونات الرموز.

خلاصة القول، لا مكان اليوم للرموز، فلقد أثبتت الأحداث فى كل مرة أن ما يشاع حول الشراكات الاستراتيجية والعلاقات الحميمية مع الغرب، وما إلى ذلك من عبارات دبلوماسية منمقة، ما هو إلا لغو (وفض مجالس) بغية تمرير (الغايات)!! غير أن الراسخ والواضح أمام أعين (العميان) هو أن هناك تحالفا لا يحيد ولا يميد أبدًا بين الغرب وإسرائيل يجور على حقوق الجميع (كلام مكرر ما عاد يحتمل دليلا)، وأن أى مساس بمصالح الأخيرة هو بمثابة قرع لأبواب طوفان من الطغيان، والتناقض، واللامنطق المغلف بمعسول (أبجح) البيانات الرسمية والتصرفات، وقوده الشعور العارم بالتسيد والفرقة المحفزين لأسمى آيات الاستبداد، أيًا كانت الدفوع والمبررات!!

إن تسارع التقارب المصرى التركى، من وجهة نظرى، ما هو سوى نذر يسير من فيض وفير يُتَوَقع أن تكشف عنه جعبة الأيام القادمة لا محالة، ذلك لأن الحدث جلل وغيوم الغدر قد تلبدت بها سماء الناظرين!!

فصحيح أن الخلاف قد امتد لنحو اثنى عشر عاما متصلة، تخللها كثير من العناد التركى والوقوف من وراء (ستائر منصات الأراجوزات)، بل وبلغ الأمر مبلغ بشائر الصدام العسكرى الوشيك ورسم (الخطوط الحمراء)!! غير أن الواقع المرير سرعان ما أعاد الأمور إلى نصابها السليم، وفتح النوافذ أمام نسمات المنطق كى تهب بقوة، لتحرك سواكن أشرعة سفن علاقات قديمة عالقة، بعيدًا عن خلجان المكائد والمؤامرات، وسيناريوهات بث الفرقة وتأجيج الخلافات .

حتى (حماس) التى نالت ما نالت من فيض الاتهامات فى الضمير الجمعى للمصريين منذ اندلاع أحداث الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ وحتى فجر السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، قد تحولت فجأة إلى أيقونة كفاح ونضال شريف، وراحت تغترف من فيض التعاطف الشعبى المصرى ما تغترف دون حساب!!

ترى (لمن) ستدق الأجراس فى القادم من الأيام؟ وأى الأيادى ستراها (تقترب) من تحت ركام الجوْر الواضح الذى ما عاد يحتمل شكا أو بهتانا؟

أعتقد أن هناك ضلعا (مهما) غائبا فى حساب مثلث القوة الإقليمية التى (تحتم) الأحداث رسم ملامحه (رغم أنف كل المؤامرات).. ضلعا توجست الدولة المصرية من (اختراقاته) على مدى عقود ماضية لأسباب لم أعد أراها بأى حال من الأحوال جوهرية (الآن)، من بعد أن نضجت، إن لم تكن قد خمدت، جذوة (ثورته) الهوجاء بمرور نحو ٤٥ عاما عليها حتى الآن، أما (مذهبه)، فلا أتصوره ذا ثقلٍ يُذكر، بل ولا أقيم للخوف منه وزنًا، ثم أننى لا أتصوره بأى حال من الأحوال أقبح من (مذاهب الطغيان)!!

ألا يكفى مصر إصرارا على التمسك بشعرة معاوية طوال الوقت، فى حين أن (معاوية) نفسه ما عاد يقيم لهذه الشعرة وزنًا (بالمرة)، إن لم يكن قد بات يطربه اليوم رقْصَنا نحن فى الأوحال!!

إن قصة الذئب والخراف التى ندور فى رحاها منذ عقود وعقود ما هى سوى قصة رتيبة قد ملَّ منها الصغار، فما بالك بذوى الألباب؟

لقد تقاسموا أدوار الذئب اليوم بجدارة، وما غدٍ سوى ستار سينكشف من ورائه مخطط تلو مخطط، فاليوم نفترس الصغار رويدًا رويدًا (حماس، حوثيين حزب الله حتما).. وغدًا خمر ونساء ونحن (نقرع الأبواب)!!

والأبواب كثيرة، وإحكام إغلاق واحدة دون الأخرى سيؤدى حتما لانهيارها جميعًا، وإن تم اتخاذ جميع الاحتياطات والضمانات، فهى أشبه بأبواب الغواصة وليس السفينة، ذلك لأن احتمالات النجاة حال غرق السفينة تظل واردة وإن تضاءلت، أما الغواصة، فلا نجاة على متنها أبدًا إن هى اختل تأمين أبوابها، ذلك لأن تسريب باب واحد لقادر على تدميرها بالكامل (وإن غُلِّقت بقية الأبواب)!!

المشهد الدولى واضح جلي، والصراع دينى لا محالة، سواء نظرت إليه عن اليمين أو نظرت إليه عن الشمال، فإن لم يكن دينيا ــ دينيا من وجهة نظرك، فهو ولا شك (لا دينى ــ دينى) فى أبسط الأحوال!!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية