تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أشرف عبدالمنعم > إرث مصر الذى لا يُشترَى «بالمال»!

إرث مصر الذى لا يُشترَى «بالمال»!

وسط محاولات (مستميتة) من أجل سحب البساط الثقافى (تمامًا) من تحت أقدام المصريين؛ والنَّيل كل النَّيل من قوة مصر الناعمة التى حفرتها بسواعد أبنائها فى مختلف مجالات الإبداع؛ ورسّختها بإنجازات رموز بطولاتها على مدى قرون؛ ظن البعض أن امتطاء صهوة الجواد المصرى (مؤقتًا) أمر يجوز؛ ما دامت النية المبيتة هى التخلص من الإرث الثقافى لمصر والمصريين فى أول منعطف؛ اعتقادًا من هؤلاء بأن هناك (جيادًا بديلة) وما هى والله ببديل!! رغم كل ذلك، ها هى مصر على موعد خلال أيام قلائل قادمة مع توجيه صفعة حضارية مدوية جديدة لكل متربص بقوة موروث العالم (القديم)؛ الذى لا يقوى (المال) على شرائه؛ وبعافية الجذور الممتدة الضاربة فى صميم الزمان؛ فى نزال لا يُشق لمصر فيه غبار بأى حال من الأحوال؛ وأعنى هنا افتتاح المتحف المصرى الكبير؛ أكبر متحف من نوعه يضم بين جنباته أشهر ما خلفته الحضارة الفرعونيّة، ليس فى مهد هذه الحضارة فحسب، وإنما فى العالم بأسرِه؛ وهو الحدث الجلل الذى يشهد بما لا يدع مجالا للشك على اختلاف هذا البلد العريق عن جميع نظرائه؛ ذلك المتحف الذى كان لى شرف الشهادة على بزوغ باكورة الحلم به؛ حين كنت أحظى فى بدايات عملى الصحفى، بجريدة الأهرام الغرَّاء، بتولى مسئولية تغطية أخبار وزارة الثقافة ووزيرها آنذاك - الفنان الحالم الجريء فاروق حسني؛ الذى عرف كيف يحفر لاسمه مكانًا ومكانة على درب العمل الثقافى بمصر..

 

‎الحلم سهل؛ فكم من عاشق أو شاعر راوده حلم الصعود إلى القمر؛ ولكن العبرة دائما بمن وصل إليه بالفعل!! وها هو الحلم اليوم، اليوم فقط، يتحول إلى حقيقة ساطعة كسطوع الشمس فى كبد السماء؛ ها هى مصر-السيسى التى يتخافت باسمها (الكارهون) تنجح فى تحويل مجرد الحلم إلى حقيقة دامغة.. وهذا هو الإنجاز؛ مصر التى تثبت فى كل يوم أنها لم ولن تيأس أبدًا من أن تطل بين الحين والحين بإطلالات مبهرة تُعجز ألسنةً عن الوصف؛ وتُخرص ألسنةً أخرى (كثيرة) عن التشكيك والتطاول بحق بلد لم يعرفه العالم سوى بكدح وصبر أهله المسالمين وسط أعتى الظروف؛ ولتظل رءوس المصريين مرفوعة فى محيطٍ ثبت بالدليل أنه لا يسره تحقيق مصر أىّ قفزات؛ وإنما ما يسره فقط هو بقاؤها على حالها؛ صحيح مستقرة؛ ولكن غير قادرة على الإنجاز.. وتلك قسمة ضيزى!.

‎إن هذا المتحف وتلك الاحتفالية، وإن ظلا مدعاة فخر للمصريين كافة؛ إلا أنهما فى جوهرهما سيف مسلط على رقاب كل جند الثقافة والفنون على أرض هذا الوطن من الآن فصاعدًا؛ الحاملين لتِلكُم الراية الخفاقة دائمًا أبدًا فى وجه من يعضُّون على مصر الأنامل من الغيظ؛ هو ليس حفلًا للتباهى والتفاخر بقدر ما هو علامة فارقة يجب أن يتم توظيفها لتعضيد الشعور بالمسئولية فى وجدان كل فنان مصرى معاصر؛ فالحضارة ليست كلمة نتشدق بها وقت الفرح أو الشدائد ثم ننْفَض؛ ولكن الحضارة عملية متصلة متواصلة ونبض متوالٍ ،إذا ما توقف لوهلة، تحولت شواهد الحضارة برمتها إلى كومة مجهولة الهوية قوامها حجارة صماء هامدة؛ لا عجب حينئذٍ أن ينسبوها (لغيرنا)!. كل فنان ومبدع مصرى معاصر، بالمفهوم الواسع العميق لكلمة مبدع، هو فى حقيقته سفيرٌ لهذه الحضارة وممثل عنها ولها؛ وليس ممثلًا عن نفسه؛ إذ لا يزال بعض نجوم المشهد الثقافى المصرى فى غيبوبة كاملة عن الدور الذى يتحتم عليهم أن يلعبوه؛ من منطلق الشعور بالمسئولية الكاملة تجاه حاضر الوطن من قبل تاريخه الطويل؛ إذ لا تزال تستهويهم أجواء شطحات المراهقين (فى سن متأخرة)؛ تحت بيارق الحرية الشخصية التى يخادعون أنفسهم بها؛ منفصلين فى ذلك عن تاريخ وواقع المواطن المصرى الكادح؛ الذى يشكّل الوقود الحقيقى لنجاحاتهم؛ فإذا به يتحول على أيادى أمثال هؤلاء إلى مدعاة للتندر والإقلال من شأنه فى أعين المتربصين؛ بدلا من التفاخر به.. والسبب مثل هكذا سقطات!.

‎عفوًا، نحن لسنا مجتمعًا (غربيًا) يحتمل الخروج عن المألوف بحجة المفهوم الخاطئ عن الفن، علاوة على المفهوم المغلوط عن الحرية الشخصية؛ نحن شعب قديم محافظ له تقاليده وأعرافه القوية الراسخة بقوة المعتقد السائد، المتوارث، المستشرى فى عمق العقل الجمعى للمجتمع المصرى منذ زمن الزمن؛ وما يجوز الإقدام على فعله أو البوح به فى الحفلات الخاصة (المغلقة)؛ لا تجوز المجاهرة به فى العلن (خاصةً) إذا جاء تحت مسمى يحمل اسم مصر، ما دامت الأضواء كلها مسلّطة؛ والشهود على الملأ؛ والمسئولية المجتمعية جسيمة؛ أيَّا ما سيقت الأعذار والمبررات الفلسفية (التافهة)!.

‎إن الصورة الذهنية عن مصر التى نبغاها وننشدها جميعًا هى مصر الإنجازات المدوية رغم كل الصعاب؛ مصر المعجزات التى تخرج دائمًا عن نطاق توقعات الحاقدين المتنمرين؛ فتدوى فى الآذان وتخطف الأبصار؛ هى مصر التى ننتظر رؤيتها فى احتفالية حضارية كبرى كتلك التى سيتلألأ رداؤها فى الأول من نوفمبر المقبل بإذن الله؛ ذلك اليوم الذى ستتعانق فيه مصر بحق مع حضارتها (الأصيلة) على رءوس الأشهاد؛ وتلوّح بقدراتها الخفية، وقوتها الثقافية العفية، ورايتها المضوَّاة للجميع من علٍ!. هذا عن المسيئين لصورة مصر باسم مصر (أحيانًا)؛ أما عن المتربصين الطامعين فى توقف عجلات مصر عند الخطوط التى يرسمونها لها (فى مخيلتهم)، فكم كان رائد المدرسة الواقعية، عملاق الأدب الروسى فى القرن التاسع عشر، ‎الروائى إيفان تورجينيف (Ivan Turgenev)، عبقريًا فى صياغة عبارته الشهيرة التى أراها معبِّرة بإيجاز عن (جميع) المعانى التى تجيش بصدرى تجاههم: لا أحد يحب المقاتل، إلا عندما يكون العدو (عند الباب)!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية