رغم أن العالم حبس أنفاسه مساء السبت الماضى وهو يشاهد تليفزيونيا مئات المسيرات والصواريخ تنطلق فى توقيت متزامن ومنسق من إيران وسوريا والعراق واليمن فى اتجاه إسرائيل؛ ردا على الاستهداف الإسرائيلى لمقر القنصلية الإيرانية فى دمشق منذ أسبوعين إلا أن الأجواء سرعان ماعادت للهدوء بشكل كبير بعد ساعات قليلة عندما انقشع دخان الهجوم لنكتشف أن شيئا لم يتغير، وأن تسعة وتسعين بالمائة من المسيرات والصواريخ تقريبا جرى إسقاطها قبل ان تصل لأهدافها حسب البيانات الإسرائيلية والأمريكية والباقى أوقع ضررا محدودا .

والحقيقة أن هذه الهجمات لم تكن إلا عملية تبادل رسائل علنية بين طهران وواشنطن، فالإيرانيون من ناحيتهم أرادوا ان يؤكدوا مرة أخرى للأمريكيين أنهم قوة إقليمية لايمكن تجاهلها وان زمن تهميشهم وحصارهم وعزلهم لابد ان ينتهى لأنهم يمتلكون القدرة على إشعال المنطقة والعالم إن أرادوا وفى أى توقيت يختارونه، وهاهى صواريخهم تصل إلى أهدافها على بعد آلاف الكيلومترات، كما أنهم يستطيعون حشد أتباعهم فى العديد من الدول لتجاهل حكوماتهم والمشاركة فى الغزوات المقدسة،
ولكنهم اختاروا مرة أخرى عدم توسيع نطاق الحرب والاكتفاء بمناوشات حزب الله والحوثيين دعما لغزة، رغم أنه كان بإمكانهم إطلاق آلاف وليس مئات المسيرات والصواريخ، وأنه آن الآوان للحصول على المكافآت نتيجة انضباطهم وقدرتهم على التحكم فى غضبهم وردود فعل أتباعهم .

وعلى الجانب الآخر فالمؤكد أن واشنطن ـ ورغم أنها وحلفاءها اسقطوا كل المسيرات والصواريخ تقريبا ـ فهمت الرسالة الإيرانية وتحمد الله على أن الغزوة الإيرانية توقفت فى بداياتها لأن التكلفة المادية للتصدى للمسيرات والأسلحة الإيرانية باهظة الثمن، وأن النظام الإيرانى يمكن ترويضه والتعايش معه لأنه وببساطة نظام براجماتى .