تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
عالم على حافة التحولات
فى اللحظات الحاسمة التى يشهدها العالم اليوم، حيث تتسارع وتيرة التحولات فى السياسة الدولية والاقتصاد العالمى، يبدو أن التغيُّرات الكبرى التى تطرأ على السياسة الأوروبية والأمريكية قد دخلت مرحلة جديدة لن تكون مجرد تغيُّرات، بل مرحلة من إعادة بناء النظام الدولى بشكلٍ يعكس التوازن الحقيقى بين القوى، بعيدًا عن التسلط والانفراد بالقرارات الدولية.
من البرلمان الفرنسى الذى ناقش الاعتراف بدولة فلسطينية، إلى تراجعات ترامب المتواصلة عن قراراته المهمة، وصولًا إلى تداعيات الحرب الاقتصادية التى أشعلها عبر التعريفات الجمركية، تتكشف أمامنا صورة جديدة لنظام عالمى يوشك على الانهيار، عالم مضطرب، تنقلب فيه التوازنات، ويضيق فيه هامش التعاون الدولى، بينما تزداد صعوبة التنبؤ بمستقبل يسوده الاستقرار السياسى والاقتصادى.
ما يجرى الآن من تراجعات سياسية وصراعات اقتصادية هو بمثابة اختبار حاسم للنظام الدولى كما نعرفه لم تعد أمريكا هى الوحيدة التى تفرض قواعد اللعبة، بل باتت القوى الإقليمية والدول الكبرى تملك أوراق ضغط يمكن أن تعيد تشكيل التحالفات والاقتصادات الدولية بشكلٍ غير مسبوق، والشرق الأوسط، فى قلب هذا التحول، سيكون الأكثر تأثرًا بهذه الانعطافات الكبرى فى السياسة والاقتصاد.
البرلمان الفرنسى والاتحاد الأوروبى: مواقف تتغيَّر
فى قلب الاتحاد الأوروبى، وبينما كانت السياسة الفرنسية تميل إلى الحياد فى قضايا الشرق الأوسط لعقود، نجد اليوم تحولًا جذريًا فى الموقف الفرنسى تجاه القضية الفلسطينية. البرلمان الفرنسى شهد نقاشًا حادًا حول الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يعكس تحولًا عميقًا فى السياسة الفرنسية، هذا الموقف الذى جاء فى وقت حساس لا يُعد مجرد تصعيد سياسى، بل إشارة إلى بداية تغيُّر حقيقى فى المواقف الأوروبية تجاه الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
لم يعد مُمكنًا تجاهل التحولات المتسارعة فى مواقف الاتحاد الأوروبى، حيث تقف فرنسا اليوم على أرضية صلبة فى دعم الحقوق الفلسطينية، وهنا نستشعر تأثير الدبلوماسية الرئاسية المصرية فى هذه التحولات خاصةً بعد الزيارة غير المسبوقة للرئيس ماكرون، بينما يستمر بعض الحلفاء التقليديين لإسرائيل فى التحفظ على هذه المواقف، تكشف الدول مثل إسبانيا والبرتغال عن دعم واضح لفلسطين، لكن الحقيقة تبقى أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ بعد موقفًا موحدًا أو واضحًا حيال القضية، رغم أن الخطوات التى اتخذتها فرنسا قد تفتح بابًا للضغط الأوروبى المتزايد على إسرائيل.
هذا التحول يندرج ضمن سياسة جديدة تهدف إلى إعادة توازن القوى فى الشرق الأوسط، وتؤكد فرنسا أن لديها رؤية مستقلة فى السياسة الدولية، تضع فيها الحقوق الفلسطينية على جدول الأعمال دون الاعتراف بالقوى التى تُحاول فرض سياسة الأمر الواقع على حساب العدالة الإنسانية.
مراجعات ترامب
فى الجانب الآخر من العالم، كان دونالد ترامب، الرئيس الذى عُرف بجرأته وغرابة مواقفه السياسية، يُقدِّم سلسلة من التراجعات التى لا يُمكن تجاهلها، أربعة قرارات رئيسية على الأقل تعرَّض فيها ترامب للتراجع الواضح فى سياسته، وهو ما يبرز عدم الاستقرار الداخلى فى الولايات المتحدة، سواء على الصعيد السياسى أو الاقتصادى.
الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ الذى أظهر عزلته عن العالم، ثم عاد ليُعلن عن التزامه مجددًا بالاتفاقية، بعدما أدرك أن التراجع عن مثل هذه القرارات سيؤثر على صورة أمريكا فى العالم.
أيضًا الحرب التجارية مع الصين، التى كان يُنظر إليها فى البداية على أنها خطوة جريئة فى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمى لصالح أمريكا، لكن مع مرور الوقت تبيَّن أن ترامب نفسه تراجع عن فرض التعريفات الجمركية على العديد من السلع الصينية، وأعلن عن التوصل إلى اتفاقات جديدة تُقلل من حدة التصعيد.
وأخيرًا، التحولات فى سياسة الانسحاب من سوريا، حيث تراجع عن قراراته السابقة بإعلان انسحاب كامل، ثم عاد ليؤكد على ضرورة الاحتفاظ بوجود عسكرى هناك، بهدف حماية مصالح أمريكا وحلفائها فى المنطقة.
هذه التراجعات لا تُظهر مجرد خلل فى السياسات، بل تُشير إلى سلسلة من الردود الداخلية والخارجية التى تُشير إلى عدم وجود استراتيجية واضحة لترامب، مما يعكس التناقضات المتزايدة فى الإدارة الأمريكية، ويجعل السياسات أكثر تقلبًا.
التعريفات الجمركية والحروب التجارية
من جهة أخرى، تواصل الولايات المتحدة تطبيق تعريفات جمركية غير مسبوقة على الدول الكبرى، ما يُشير إلى تحول غير مسبوق فى النظام الاقتصادى العالمى، هذه السياسات الأمريكية التى تُجسد فكرة الحمائية الاقتصادية، تفتح الباب لمزيد من التوترات التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبى، ولكنها تُلقى بظلالها أيضًا على الشرق الأوسط، ثم فاجأ ترامب العالم بإرجاء التنفيذ على الدول التى لم ترد بالمثل ٩٠ يومًا!!
دول كثيرة فى إقليمنا تُعتبر جزءًا من سلسلة التوريد العالمية، تُعانى من زيادة التكاليف على العديد من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة، وفى الوقت نفسه إسرائيل، رغم علاقاتها الاستراتيجية مع أمريكا، تجد نفسها فى وضع صعب، حيث التعريفات الجمركية قد تُؤثر على تجارتها مع الأسواق الكبرى الأخرى.
أما الدول التى تعتمد على النفط والغاز فقد تُجبر على إعادة تقييم استراتيجياتها الاقتصادية بما يتلاءم مع البيئة التجارية الجديدة التى تفرضها سياسات ترامب فى الشرق الأوسط، الذى كان يشهد فى السابق علاقات تجارية مستقرة مع الغرب، يجد نفسه اليوم فى مواجهة حروب تجارية تؤثر على اقتصاده، وعلى استقرار أسواقه النفطية.
إعادة رسم التحالفات الإقليمية
أما المتغير الرابع الذى يجب أخذ الاعتبار الكامل له فى هذه اللحظة التاريخية، فهو إعادة رسم التحالفات الإقليمية فى المنطقة فى الوقت الذى تتزايد فيه الضغوط الغربية على الدول الكبرى، يُلاحظ ظهور التحالفات الجديدة فى المنطقة التى تبتعد عن النفوذ الأمريكى وتتوجّه صوب الشرق وآسيا لتحقيق تقارب اقتصادى استراتيجى مع الصين وروسيا، مما يُسهم فى تحول خريطة التحالفات فى المنطقة ما يُعزِّز دور هذه الدول فى إعادة تشكيل موازين القوى فى الشرق الأوسط.
هذه السياسات الأمريكية أصبحت تُشكل تهديدًا حقيقيًا للعديد من دول الشرق الأوسط التى تعتمد على العلاقات التجارية المفتوحة مع الغرب، مما يدفع هذه الدول إلى الاستثمار فى اقتصادات بديلة بعيدًا عن الولايات المتحدة.
ما نراه اليوم هو تحولات متسارعة قد تُعيد تعريف النظام الدولى، حيث تتراجع هيمنة الولايات المتحدة فى مواجهة تكتلات متعددة، وتقف فرنسا والاتحاد الأوروبى فى مقدمة الجهود لاستعادة توازن القوى فى المنطقة، فى وقتٍ يُظهر ترامب تراجعًا متزايدًا عن قراراته ويخسر المزيد من الثقة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية