تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
القاهرة تقاوم هندسة الخرائط
فى زحام التغيرات الإقليمية ومحاولات القوى الكبرى إعادة ضبط الموازين بما يتوافق مع مصالحها، تخرج مصر من دائرة الصمت لتُعيد ترسيم موقعها كفاعل أساسى لا يُمكن تجاوزه، لا فى غزة، ولا فى سوريا، ولا فى الخليج.
التصريحات الدبلوماسية الصادرة ليست ردودًا فورية على طروحات آنية، بل إعادة بناء لتموضع إقليمى ترى فيه القاهرة أن دورها ليس خيارًا بين عدة بدائل، بل ضرورة لحماية الأمن القومى العربى من مشاريع التفكيك والتهميش.
حين يعلن وزير الخارجية المصرى رفضه المطلق لإنشاء «مدينة خيام» جنوب غزة، هو هنا لا يتحدث عن تفاصيل لوجستية أو أزمة إنسانية بحتة، بل يفكك جوهر الخطة (الفكرة) التى تُسوقها بعض الأطراف على أنها ملاذ مؤقت للفلسطينيين، هى فى حقيقتها مشروع لإعادة هندسة التركيبة الديموغرافية للقطاع، بما يضمن تصفيته سياسيًا على المدى الطويل، دون الحاجة إلى إعلان ذلك رسميًا.
رفض مصر القاطع لا ينبع فقط من التزامها التاريخى بالقضية الفلسطينية، بل من إدراكها العميق أن إقامة مناطق عازلة فى الجنوب تحت مسمى «إغاثة»، يعنى توطينًا مقنعًا، وتمهيدًا لتفكيك ما تبقى من القضية.
سيناء ليست مكبًا لمشاكل الاحتلال، ولا منطقة رمادية تدار تحت طاولة المفاوضات ، أى عبور لهذه الخطوط الحمراء سيُعتبر تهديدًا مباشرًا للسيادة المصرية، ولن يمر دون رد، مهما كان حجم التواطؤ الدولى أو الإغراء المالى.
تهميش القاهرة: مشروع مؤجل يعود فى ثوب جديد
التحركات الدولية والإقليمية الأخيرة فى ملف غزة تتعمد بشكل مريب القفز فوق القاهرة، وتقديم لاعبين آخرين كوسطاء أو ضامنين أو منفذين، تلك المحاولات ليست جديدة، لكنها تعود الآن بأدوات مختلفة: منصات إعلامية مشبوهة، مبعوثون بلا تفويض، وخرائط نفوذ تُرسم فى مراكز أبحاث غربية تستبدل الدول المحورية بمقاولين إقليميين طيّعين.
هذا التوجه هو تهديد مضاعف ليس فقط لأنه يقوض مكانة مصر الإقليمية، بل لأنه يُدشن نموذجًا إقليميًا قائمًا على «الوكالة السياسية»، لا على الشراكة الحقيقية من يقبل بهذا النموذج اليوم، سيجده غدًا فى عمق أزماته، حين يُدار ملفه الداخلى من خارج حدوده.
مصر تكتب معادلتها الخاصة:
لا تفكيك، لا تهميش، لا حلول على حساب الثوابت
فى كل هذه الملفات، تضع القاهرة معادلة واضحة: لا مجال للسلام القائم على تغييب العدالة، ولا للتسويات التى تقوم على حساب الآخرين، ولا لإعادة الترتيب الجيوسياسى خارج إطار الشراكة السيادية. من غزة إلى دمشق، لا تصنع مصر ضجيجًا إعلاميًا، لكنها تتحرك بثقلها التاريخى والجغرافى، وبفهم دقيق للخرائط التى تُرسم فى الغرف المغلقة.
من أراد أن يعرف أين تقف القاهرة، فليستمع إلى صوتها لكن ما لا تدركه بعض الأطراف الدولية هو أن التلاعب بالخرائط لا يُنتج استقرارًا، بل يُفجّر الأزمات فى توقيتات غير محسوبة فالقفز على مصر فى ملفات مثل غزة أو سوريا، يعنى تجاوز بوابة الشرعية الإقليمية الوحيدة القادرة على تفكيك الألغام لا إشعالها، الفوضى التى تُنتَج خارج الحسابات المصرية، سرعان ما ترتد على صانعيها، لأن من يظن أن «الحلول المستعجلة» ستنجح فى بيئة سياسية معقدة، يُعيد ارتكاب الخطايا القديمة بثوب جديد.
ثمّة نزعة غربية مستمرة لتصوير القاهرة كطرف «يتأثر» بالأحداث، لا كقوة فاعلة فى صناعتها هذه النظرة قاصرة وخطيرة، لأنها تُهمش التاريخ وتُقصى الجغرافيا وتُغفل حقائق الواقع، مصر ليست متفرجًا فى ملف غزة، ولا وسيطًا محايدًا فى معادلة سوريا، بل هى مركز التوازن الإقليمى الذى لا يستقر شيء بدونه. إنها الدولة التى تمتلك أدوات السياسة والعسكرية والدبلوماسية فى آن واحد، ولا يمكن الالتفاف على دورها إلا بثمن باهظ سيدفعه الجميع لاحقًا.
وفى مواجهة مشاريع الإقصاء السياسى أو الهندسة الديموغرافية، لا تكتفى مصر بالرفض اللفظي، بل تتحرك بخطاب موجه وواضح يضع الجميع أمام مسئولياتهم حين يتحدث الوزير بدر عبد العاطى باسم الدولة المصرية، فهو لا يعبر فقط عن موقف إداري، بل عن رؤية وطنية ترى أن «أمن مصر يبدأ من خارج حدودها»، وأن أى عبث بالحدود أو المجتمعات المجاورة فى الدول الشقيقة سيُقابل بموقف حاسم لا يقبل التفاوض، بهذا المعنى فإن مصر لا تدافع فقط عن نفسها، بل عن فكرة الدولة العربية ذات السيادة فى وجه مشاريع الابتلاع والوصاية والتفتيت.
حين يتحدث العرب بلسان واحد
وسط هذا المشهد، جاء البيان العربى الموحد الذى ضم مصر وتركيا والسعودية والإمارات وقطر والعراق ولبنان وغيرها، دعمًا لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، ليعيد الأمل فى أن ثمة نواة صلبة ما زالت تتشكل فى المنطقة، نواة ترفض منطق التقسيم، وتتمسك بوحدة الدولة الوطنية، مهما بلغ التباين فى المواقف داخل الملفات الأخرى.
مصر هنا لا تنظر إلى سوريا بوصفها أزمة بعيدة، بل باعتبارها مرآة لكل السيناريوهات التى تُرسم للمنطقة من يقبل بإضعاف الدولة السورية، سيجد النموذج نفسه يهبط على عواصمه، لذلك فالدعم المصرى لسوريا ليس دعمًا للنظام، بل للدولة بمفهومها الواسع: كيان واحد، أرض واحدة، ومركزية قرار، مهما كانت الخلافات.
من العلمين إلى الخليج..
التحالفات ليست هشة كما يظن البعض
وفى خضم هذه التحولات، حاول البعض التسلل إلى العلاقة المصرية السعودية عبر منصات إلكترونية مشبوهة، وأصوات تمتهن التشكيك وتُتقن إثارة الغبار فجاء الرد من أعلى المستويات، حين أكد وزير الخارجية المصرى على متانة العلاقة بين القاهرة والرياض، رافضًا الانزلاق وراء محاولات بائسة لتشويه هذه الرابطة.
العلاقة بين البلدين ليست تحالفًا مرحليًا أو تقاطع مصالح طارئًا، بل إحدى ركائز التوازن العربيالإقليمى منذ عقود، ما يُحاك ضدها ليس منفصلًا عن محاولات إضعاف النواة العربية الصلبة، التى تمثل فيها مصر والسعودية رأس الحربة فى مواجهة مشاريع الاستتباع، سواء كانت فارسية أو صهيونية أو غربية متخفية تحت شعارات إنسانية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية