تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أسامة عجاج > سوريا.. صراع النفوذ وتقاطعات المصالح

سوريا.. صراع النفوذ وتقاطعات المصالح

لن أتوقف عند تفاصيل ما حدث فى مدن الساحل السوري، من مواجهات مع فلول النظام السوري، فهى معروفة، وتتكشف يوماً بعد يوم، ولكننى سأتعامل معها على أنها (عرض) محدود جداً (لمرض) عضال، عانت منه سوريا على مدى حقب زمنية،

وأنا هنا لا أهون مما جرى من تجاوزات، ولكننى أعيد الأمور إلى أصلها، خاصة بعد تفاقم الأزمة السورية خلال ١٤ عاماً منذ مارس٢٠١١، والتى شهدت كارثتين،

الأولى سماح النظام باستباحة البلاد من دول وجماعات، فقط للحفاظ على بقائه، بداية من حزب الله وإيران وروسيا، ومن جهة أخرى أمريكا، بهدف التصدى لخطر تنظيم داعش، ناهيك عن تركيا، التى تسعى للحفاظ على مصالحها بحكم الجوار الجغرافي،
ويكفى أن نتوقف عند الأرقام الأخيرة لحجم الوجود الأجنبي، روسيا مثلاً لها أكثر من ٨٠٠ قاعدة ونقطة عسكرية، ومنها ٥٢٩ توزعت على ١٤ محافظة لإيران وحدها، وتركيا ١٢٦ منها ١٢ قاعدة، أما أمريكا فقد وصل حجم تواجدها إلى ٢٨ موقعاً منها ٢٤ قاعدة..

أما الكارثة الثانية فهى تكريس النظام السابق للطائفية، حيث اعتمد على العلويين، رغم أن نسبتهم لا تتجاوز ٩ بالمائة من عدد السكان، مستهدفاً الأغلبية السنية، والتى تتركز فى المحافظات الرئيسية، مع إهمال بقية الطوائف، ومنهم الدروز، والأكراد،

وقد يكون ذلك أحد أسباب أزمة مدن الساحل. 
 

وحقيقة الأمر، أن ما يجرى فى سوريا خلال الأيام الأخيرة، هو أحد توابع زلزال الثامن من ديسمبر، تاريخ سقوط بشار الأسد، حيث بدأ الصراع الإقليمى والدولي، خاصة وأن النظام الجديد، جاء من خلفية مختلفة بشكل كامل، عن السياقات العامة فى المنطقة،

ونتوقف عند تلك الأطراف، ولنبدأ بإسرائيل وهى فى رأيى الخطر الأكبر على البلد، حيث انتهزت فرصة حالة عدم الاستقرار، فسعت إلى تحقيق هدفين، الاول: استهداف قدرات الجيش السورى وتعزيز وجودها الميداني، حيث سيطرت على قمم جبل الشيخ، ذات الموقع الاستراتيجي، والذى يمكن من خلاله، إتاحة حرية الحركة أمام الجيش الإسرائيلى فى كل الجنوب السورى حتى دمشق، وعمق البقاع اللبنانى والتى تشرف على كامل الجنوب السورى واللبناني، والضفة الغربية والأردن، ومنطقة الحدود العراقية اللبنانية، وتسعى إسرائيل إلى إعلان جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح.. والهدف الثاني: تقديم نفسها كحامية للأقليات خاصة الأكراد، ووصل التبجح  بوزير خارجيتها «جدعون ساغر» إلى الحديث عن تحالف الأقليات فى المنطقة، التى حددها بين اليهود، والأكراد فى سوريا وتركيا والعراق وإيران، والدروز فى سوريا ولبنان. 

أما إيران فهى (أكبر الخاسرين استراتيجياً)، ولهذا  فقد تعاملت مع سقوط الأسد على أنه مؤامرة أمريكية إسرائيلية بدعم دولة إقليمية، كما قال المرشد الأعلي، وسارعت إلى سحب قواتها ومستشاريها، بعد يومين من سقوط النظام، وهو ما أعلنه قائد الحرس السورى الإيرانى حسن سلامى أمام البرلمان، وقد مثل خروج دمشق من (بيت الطاعة الإيراني)، إنهاء مخطط (الهلال الشيعي)، والذى يضم طهران، بغداد، دمشق، بيروت، وكان لافتاً للنظر، أن وسائل إعلام عراقية وإيرانية، هى من أعلنت عن تأسيس جبهة المقاومة الإسلامية فى سوريا، وأطلق عليها اسم (أولى البأس)، والتى كانت وراء العمليات الأخيرة فى محافظات الساحل، ولن تألو جهداً فى استعادة نفوذها القديم، أما تركيا فكانت (أكثر المستفيدين)، فهى أحد صناع التغيير، والمثير فى الأمر أن سوريا أصبحت  بسرعة غير متوقعة، عنواناً للخلاف بين أنقرة وطهران، والتى ظهرت إلى العلن، بتصريحات وزير الخارجية التركى هاكان فيدان، الذى قال فيها إن طهران دفعت ثمناً باهظاً على نفوذها فى سوريا والعراق، وأن التكلفة التى تكبدتها أكبر بكثير مما حققته، داعياً طهران إلى التخلى عن سياسة الاستحواذ فى منطقة الشرق الأوسط، وردت طهران بوصف التصريحات بأنها وقحة، متهمة تركيا بالتعامى عن الأيادى الأمريكية والإسرائيلية السرية والخفية فى تطورات المنطقة. 

وتبقى روسيا التى مارست أعلى أنواع (البراجماتية السياسية)، فى محاولة للحفاظ على مصالحها ومكاسبها السابقة، وأرسلت وفوداً للقاء النظام الجديد، واتصل بوتين بأحمد الشرع فى ١٢ فبراير الماضي، حيث تستهدف الإبقاء على قواعدها العسكرية، وتتفاوض حول ديونها المستحقة لها، ومؤخراً أعلنت استعدادها للتعاون مع واشنطن فى الملف السوري، والأخيرة مازالت متحفظة فى التعامل مع النظام الجديد. 

وبعد فالمثل يقول إن (كثرة الطهاة قد يفسد الطبخة)، وسوريا ليست طبخة، فهى دولة ذات تاريخ عظيم، وشعب يستحق أن يعيش فى أمن واستقرار، بعيداً عن لعبة الأمم، وسياسة رسم خرائط جديدة للمنطقة، ولن تقبل أن تكون ساحة للحروب بالوكالة، ولعل الاتفاق الذى تم توقيعه بين أحمد الشرع ومظلوم عبادي، باندماج قوات سوريا الديمقراطية فى الجيش السوري، يمثل بادرة طيبة فى طريق طويل، وتوقيت مهم، لسوريا الموحدة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية