تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أحمد هواري > المبعوث السامي «الحيواني»

المبعوث السامي «الحيواني»

ربما المؤلم، مع كل إهانة فجة تصدمنا في وجوهنا بواقعنا المرير، وتعايرنا بحاضرنا الأليم، أنها تضعنا أمام مرآة تفضح أقبح وجوهنا، وجه غطاه رماد المعارك والتشرذم والفرقة وشوهته حروب الداخل والخارج.. حتى أخفى بهاءنا الذي كان، وحضارتنا التي سبقت زمانهم بأزمان..

غير أننا للأسف، أبناء اليوم وإن كرهنا، وأسرى اللحظة وإن رفضنا، وسجناء واقعنا مهما بغضنا، وحصاد أفعالنا مهما تجملنا.

خرج المبعوث الأمريكي توم براك محتداً على الصحفيين في قصر الرئاسة اللبناني «بعبدا»، ليصف تزاحمهم بالاستفسارات وتدافعهم بالأسئلة سلوكاً «حيوانياً»، ويلوم عليهم «فوضويتهم» وانعدام «لطفهم وتسامحهم» وكأنما يرى بنصف عين..

لم يلحظ السيد براك، على بعد أميال معدودة منه، سليلة نعمة دولته ومحظية بلده بالمنطقة، تمارس النموذج الحيواني كما يقول الكتاب، بكل صنوفه وأحقر أشكاله، من افتراس وشراسة وانعدام للإنسانية، بحق مدنيين عزل.

انزعج المبعوث السامي من بعض الصخب واعتبره سلوكاً همجياً، بينما الهمجية تتجسد بأعتى صورها على مرأى ومسمع منه ومن العالم أجمع، على يد حليفة دولته وصنيعة فضلها ورعايتها المطلقة، حتى باتت إسرائيل والولايات المتحدة وجهان لإجرام واحد.

بكل عجرفة واستعلاء خاطب براك الصحفيين المتدافعين أمامه آمراً إياهم بالتزام الاحترام والتسامح وتجنب الفوضى، بينما، في بلده، يتكالب الصحفيون ويتدافعون وفي أحيان كثيرة يشتبكون بالأيدي، أمام أرفع المسئولين وأدناهم، سعياً وراء سبق أو انفراد، مشهد سيبدو له احترافياً ومهنياً ما دام في بلاد العم سام، وفوضوياً ما دام في منطقتنا البدائية ابنة البطة السوداء.

بينما نكتوي جميعاً، منذ عقود، بصادرات بلده لمنطقتنا من أفخر أنواع الهمجية المسلحة، ما بين غزو صريح أو من وراء «إرهاب»، يتغطرس علينا المندوب السامي الأمريكي بزجرة مفتعلة تصطنع التحضر والرقي، بينما الأفعال أبعد ما تكون عن الأقوال.. ودماء الأبرياء، من جراء  جرائم حليفته المدللة، وبأموال بلاده وأسلحتها ودعمها المطلق، تسيل لحظة كلامه، ولم تزل.

بعد ساعات من قتل الشقيقة «البلطجية» الصغرى لصحفيين في مستشفى ناصر بغزة، على الهواء مباشرة أمام أعين العالم الذاهلة، ينزعج المبعوث الأمريكي من جلبة أحدثها صحفيون يجتهدون..

ليبقى السؤال: ماذا لو كانت الواقعة ذاتها في تل أبيب وليس في بيروت.. لاسيما وأن الإلحاح والصياح والتدافع على السبق والجرأة في الطرح من صميم عمل الصحفي أينما كان؟

يظل ما جاء به المبعوث الأمريكي محل اتفاق واختلاف.. إلا أن الأسلوب لا خلاف عليه، ولعل أسوأ ما فيه أنه فضح ما تخفيه الابتسامات الدبلوماسية من «عنطزة وجليطة واستعلاء» كما الأكثر إيلاماً فيه أن هواننا الذي نُعير به، من حصاد أعمالنا قبل أعدائنا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية