تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

فى مئوية سيد درويش (1)

نحن اليوم فى الثلاثين من أغسطس، وبعد أسبوعين وبالتحديد فى الخامس عشر من الشهر القادم سبتمبر تحل الذكرى المئوية الأولى لرحيل الموسيقار المصرى العبقرى سيد درويش، وعنه أكتب هذه المقالة التى كنت أفضل أن تنشر فى الأربعاء الثالث عشر من الشهر لتقرأ فى مناخ الاستعداد للاحتفال بالفنان العظيم فى اليومين التاليين، لكنى لست واثقا من أن هذه الذكرى ستكون حاضرة فى يومها المنتظر، لأن أيامنا حافلة بالأسماء والمناسبات التى كان يجب أن نحتفل بها، لكننا لم نفعل كما يجب أن نفعل.

 

فى العام الماضى حلت الذكرى التسعون لرحيل الشاعرين الكبيرين شوقى وحافظ ولم نحتفل بها، وفى العام الماضى أيضا حلت الذكرى المائة والخمسون لميلاد شاعر القطرين خليل مطران ولم نحتفل بها، بل نحن لم نعبر بأى صورة من الصور عن حضور هذه الأسماء اللامعة فى ذاكرتنا، وكم آلمنى وأنا أكتب مقالاتى عن هؤلاء وغيرهم وأنشرها فى «الأهرام» فلا أجد ما يدل على الاهتمام أو يستدعى التفكير والمشاركة، وإذا كان الاحتفال بأمثال هؤلاء يحتاج لتنظيم وإعداد وبرامج متنوعة تجتذب لها الجمهور الواسع بما تقدمه له من أعمال تثقفه وتمتعه ـ إذا كان هذا الاحتفال بهذه الصورة مكلفا فكلمة فى صحيفة أو حديث فى برنامج إذاعى لا يكلف شيئا ومع هذا فالذكرى تمر ولا نحس بها، لا لأن الاحتفال بها مكلف، بل لأن الجهات المسئولة عن الاحتفال لا نجد ما يدفعها من نفسها للقيام بمسئوليتها، ولا تجد مما تراه حولها ما يدفعها للقيام بها، رغم أنها وجدت وصارت مؤسسات متعددة لها أسماؤها، ووظائفها المحددة، ومرتباتها الشهرية، ومكافآتها التى أصبحت هى مرتبات!ـ هذه الجهات لا تجد دافعا يدفعها للاحتفال بشوقى أو حافظ أو مطران أو طه حسين الذى تمر الذكرى الخمسون لرحيله فى أكتوبر القادم دون أن نسمع أو نقرأ شيئا عما سنشهده احتفالا به، وكما يغيب هؤلاء عن ذاكرتنا حتى فى الأيام التى يجب أن تذكرنا بهم يغيب غيرهم، وإلا فأين الطهطاوى، ومحمد عبده، وعبدالله النديم؟

والعقاد، وقاسم أمين، وهدى شعراوى، ودرية شفيق؟ وأين بيرم التونسى، ونجيب الريحانى، ويوسف وهبى، وروزاليوسف، ومنيرة المهدية وغيرهم وغيرهم؟ إنهم غائبون، كأنهم لم يوجدوا والسبب بكل بساطة ووضوح هو غياب الثقافة التى تجعل المستحقين للاحتفال بهم حاضرين بصورة أو بأخرى طول العام فإذا حلت ذكراهم وجدت الناس مستعدين لاستقبالها والاحتفال بها. أما أن يكون صاحب الذكرى غائبا منسيا طول العام فسوف يكون منسيا بالضرورة فى يوم ذكراه، وهكذا يكشف لنا تقصيرنا فى الاحتفال بذكرى الأعلام عن تقصير عام شامل لا يؤاخذ عليهم الأفراد وحدهم، بل تؤاخذ عليه مؤسسات الدولة المكلفة بتعليم المصريين وتثقيفهم، وتؤاخذ عليه كل الجهات المسئولة عن مراقبة العمل فى أجهزة الدولة والاطمئنان الى أنه يتم بالصورة التى تحددها القوانين والشعور بالمسئولية والضمير الوطنى الحى. ونحن ننظر فى نشاطنا الثقافى الراهن فى مختلف المجالات فلا نشعر بالاطمئنان، ابتداء مما يقدم فى مدارس الدولة، وانتهاء بما تقدمه دور النشر، وقاعات العرض، والمسارح، والصحف والمجلات ووسائل الإعلام وإذا كنا نتحدث اليوم عن الاحتفال بالذكرى المئوية، الأولى لرحيل سيد درويش فما الذى قدمناه طوال السنوات الماضية ليذكرنا بسيد درويش ويجعل موسيقاه حاضرة نشعر بحاجتنا للاحتفال بها؟

لن أجازف بالإجابة على السؤال رغم اعتقادى أننا لم نقدم شيئا يذكر، ولم نسأل أنفسنا عن سر هذا الغياب وعن الأسباب التى أدت إليه، وعما صنعه المسئولون عن الثقافة المصرية ليعرفوا الأسباب ويعالجوها بالصورة التى تمكن الثقافة المصرية من أن تنهض من كبوتها وتستأنف نشاطها وقدرتها على الإبداع والإمتاع والتجدد والوصول إلى جمهورها الواسع الممتد من الخليج إلى المحيط، وهذه مسألة لم تعد واردة فى حديثنا عن ثقافتنا.. نعم، نحن لم نعد للأسف نتحدث عن الدور الذى أدته مصر فى الثقافة العربية الحديثة ويجب علينا أن نواصل أداءه.

المجلة الأدبية التى كانت تصدر فى مصر كانت تقرأ حيث يوجد القارئ العربى ما بين المغرب والعراق، وما بين سوريا واليمن والسودان. أين هذه المجلة الآن؟ والفرقة المسرحية المصرية كانت لها مواسم تزور فيها بلاد المشرق والمغرب وتقدم فيها عروضها هنا وهناك، والفيلم المصرى والأغنية المصرية كلها كانت منابر نخاطب منها أشقاءنا العرب ويخاطبوننا هم أيضا منها، لأنهم كانوا فيها شركاء مؤسسين، الفنانون السوريون واللبنانيون لعبوا الدور الأول فى تأسيس المسرح المصرى، وفى إصدار الصحف المصرية الأولى، والمطربون والمطربات المشارقة والمغاربة كانوا حاضرين دائما فى الأغنية المصرية وفى الفيلم المصرى، لأن ثقافتنا لم تكن لقطر، وإنما كانت للغة ولثقافة جامعة تربح الكثير عندما يشارك فيها الجميع وتخسر الكثير عندما تتقوقع وتنعزل، وهناك من يظن أن الدور الذى أداه المثقفون العرب فى ثقافتنا كان احتياجا مشتركا فى مرحلة كنا نملك فيها المؤسسات ونحتاج للخبرات، وكان فيها المثقفون العرب الذين شاركونا فى بنائها يملكون الخبرة ويحتاجون للمؤسسة، وهكذا تكاملنا فى تلك المرحلة التى كنا فيها محتاجين لهم وكانوا محتاجين لنا. أما الآن فقد توفر لكل طرف ما يكفيه ولم يعد محتاجا لمشاركة الطرف الآخر، وهذا فهم ضيق للعوامل التى فتحت المجال للنشاط الثقافى العربى المشترك، صحيح أن المؤسسات والأدوات لم تعد تنقص أى بلد عربى، أن الخبرات لم تعد تنقصنا. لكن المشاركة فى العمل الثقافى العربى مطلب ثقافى طبيعى يظل قائما وملحا، وإن تغيرت الظروف القائمة فصارت المؤسسات العربية الأخرى تستقبل المصريين كما كانت المؤسسات المصرية تستقبل أشقاءهم، فيكون هؤلاء وهؤلاء إضافة تغتنى بها الثقافة العربية فى كل الظروف ونحن نرى كيف يرحب الأوروبيون بالأجانب الذين يكتبون لغاتهم، وكيف يرحب الأمريكيون بالأجانب الذين يعملون فى جامعاتهم ويمثلون فى أفلامهم. هكذا ترون أن الحديث الذى بدأته عن سيد درويش ساقنا للحديث عن أوضاعنا الثقافية الراهنة، وبدلا من أن نتذكر سيد درويش بعد مائة عام من رحيله جاء هو ليذكرنا بما نحن فيه الآن، لكننا سنعود لنحتفل به فى الأسبوع القادم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية