تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
غزة قبل إسرائيل .. وبعدها «5»
من المؤكد أن هذا الصراع العربى الإسرائيلى المحتدم سوف ينتهى بصورة من الصور، قد يطول أمده، وقد يقصر، وقد ترتفع درجة احتدامه بما يطرأ حوله من أحداث وأطوار داخل حدوده أو خارجها، وقد تهدأ، لكن نهايته فى كل الأحوال سوف تلاحقه وسوف تلحقه، كيف ستكون هذه النهاية؟ وما هى صورتها؟ لا نستطيع أن نحددها، لأن الصراع العربى الإسرائيلى ليس محصورا فى طرفيه المباشرين وليس محدودا بحدودهما، وذلك للأسباب والدوافع والمصالح والعلاقات التى تربط بين كل من طرفيه وبين العالم الخارجي.
إسرائيل كيان مؤلف من عناصر مختلفة متعددة شكلتها وجمعت بينها عوامل سياسية، ومصالح مادية، وثقافات يختلط فيها الدين بالسياسة والتاريخ بالأساطير.
واليهود لم يكونوا شعبا أو جماعة قومية فى يوم من الأيام، وإنما كانوا منذ بداية تاريخهم، ولايزالون حتى الآن، قبائل وعشائر وطوائف دخلت فلسطين فى حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد لتحتل فيها مكانا إلى جانب غيرها من الجماعات التى سكنت فلسطين من قبل وكان معظمها ينتمى للكنعانيين الذين هاجروا من جزيرة العرب ليستقروا فيها.
وقد استطاعت القبائل اليهودية أن تنشئ فى القرن العاشر قبل الميلاد دولة انقسمت على نفسها وأصبحت دولتين متصارعتين لم تعمرا طويلا، فقد سقطت إحداهما بعد الأخرى على يد الآشوريين والبابليين، ثم كانت نهاية هذاالوجود الهش على يد الرومان الذين احتلوا فلسطين فى القرن الأول السابق على الميلاد، ودخلوا فى صراع مع اليهود الذين تركوا فلسطين ليتفرقوا فى أنحاء العالم القديم من الهند إلى إسبانيا، ومن إثيوبيا إلى ألمانيا، معزولين من أهل البلاد التى حلوا فيها، ومعرضين للاضطهاد، خاصة فى المجتمعات المسيحية فى العصور الوسطي.
ومن الواضح أن علاقة اليهود القدماء بفلسطين كانت أقرب ما تكون لعلاقة البدو الرحل بالبلاد التى يعيشون فيها، لم تكن علاقتهم بفلسطين علاقة وثيقة تضمن لهم الاستقرار فيها وتجعلها وطنا يواصلون فيه وجودهم حتى لو فقدوا سلطتهم، وهذا ما فعلته الجماعات الأخرى التى استقرت فى فلسطين وبقيت فيها بعد أن احتلها المصريون، والآشوريون، والبابليون، والفرس، واليونان، والرومان.
وكما لم يتمكن اليهود من الاستقرار فى فلسطين لم يتمكنوا من ان يتحدوا ويستوطنوا غيرها. وهكذا عاشوا طوال القرون التى مضت منذ خرجوا من فلسطين حتى سقطت السلطنة العثمانية واستولى المستعمرون الأوروبيون على ولاياتها العربية ومنها فلسطين التى قرر الإنجليز أن يمكنوا اليهود الصهاينة من الاستيطان فيها ليحققوا بهذا هدفين كانوا فى حاجة لتحقيقهما: الهدف الأول أن يتخلصوا من اليهود بإخراجهم من أوروبا، والآخر أن يتخلصوا من العرب بتوطين اليهود فى بلادهم التى ستدخل فى صراع لن يتوقف مع هؤلاء الذين سيظلون فى حاجة للغرب، وإذن فسوف يضعون أنفسهم فى خدمة المستعمرين الغربيين، وسوف ينوبون عنهم فى شن سلسلة من الحروب تنتهى بأن يتخلص الغرب الاستعمارى العنصرى من الطرفين المتصارعين، وهذا ما رحبت به النظم الاستعمارية فى صورها القديمة، وفى صورها الراهنة، وتبنته واعتبرت إسرائيل امتدادا لها فى الشرق العربى الإسلامى وشجعتها على اغتصاب فلسطين وانتزاعها من أيدى الفلسطينيين، وإرغامهم على مغادرة وطنهم، وشن الحرب على الباقين والقضاء على وجودهم بكل صوره، كما نرى فى حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على غزة منذ أربعة أشهر.
>>>
الصراع العربى - الإسرائيلى لايدور بين الفلسطينيين واليهود وحدهم، وإنما يدور بين الفلسطينيين من ناحية وبين اليهود وكل القوى التى صنعت لليهود ماضيهم وحاضرهم، وهو لايدور بالتالى بين اليهود والفلسطينيين وحدهم، وإنما يدور بين اليهود وبين العرب جميعا، ومن يقفون معهم وهم شعوب العالم الثالث التى اكتوت بنيران المستعمرين فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فضلا عن القوى والأحزاب والتيارات الإنسانية المتحضرة فى أوروبا وأمريكا. وقد رأينا صورا معبرة عن هذا الصراع الكونى فيما تفعله حكومة الولايات المتحدة التى تقف علنا إلى جانب إسرائيل وتشجعها على مواصلة حرب الإبادة، وتمنع المنظمات الدولية من النظر فى الجرائم الرهيبة التى ترتكبها إسرائيل، لا فى حق الفلسطينيين وحدهم، بل فى حق كل من يقف إلى جانبهم أو يتعاطف معهم، ورأينا الصورة الأخرى فى الوقفة النبيلة التى وقفتها حكومة جنوب إفريقيا التى رفعت باسمها وباسم البشرية كلها دعواها ضد هذا الكيان الاستعمارى العنصرى المسمى إسرائيل فى محكمة العدل الدولية تطالبها فيها بالنظر فى الجرائم التى ترتكبها فى غزة جهارا نهارا، وبإصدار الأحكام الملزمة فيها وهو ما ينتظره الجنس البشرى كله ليتمكن بهذه الأحكام من الوقوف فى وجه المجرمين المسلحين بالقنابل الذرية هم ومن يمدونهم بالمال والسلاح، وقد استجابت المحكمة، وهى مؤسسة دولية من مؤسسات الأمم المتحدة للدعوى فقررت النظر فيها وأمرت بوقف كل العمليات التى ذكرت فى التهم الموجهة لإسرائيل، ومواصلة النظر فى الدعوى حتى تصل فيها المحكمة إلى أساس قانونى تبنى عليه حكمها.
والواقع أن حكومة جنوب إفريقيا كانت بهذه الدعوى تدافع عن الإنسان وعن حضارته التى يتحدث عنها الغرب ولا يعمل بها، بل يخونها ويجعلها ستارا لهيمنته وانفراده بالقول والفعل، ويحولها إلى قنابل ومدافع وصواريخ ودبابات وطيارات وغواصات يهدد بها البشر ويزود بها النظم العميلة التى تسايره وتستفيد منه وتأتمر بأمره، وهذا مايعترف به أصحاب الضمائر الغربيون الذين خرجوا بمئات الآلاف يتظاهرون فى عواصم بلادهم ضد إسرائيل ومن يقفون وراءها، ويعترف به المثقفون الأحرار الذين رأينا واحدا منهم فى معرض الكتاب هو الروائى النرويجى جاستن جاردنر يقول فى تصريحاته لهذه الصحيفة الغراء «الأهرام» «إن الحرب على غزة فضحت الضمير الأوروبى وكشفت عن عجزه عن اتخاذ موقف أخلاقى تجاه حرب الإبادة المسلطة على النساء والأطفال والشيوخ».
وإلى اللقاء فى الأسبوع القادم
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية