تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أمة اقرأ لا تقرأ
يجب أن نسأل أنفسنا عن أسباب انصراف المصريين عن القراءة فى هذه الأيام.
بالأمس القريب كان الكتاب يصدر فى نحو ثلاثة آلاف نسخة، فيجد جمهورا من القراء لا يقل عدده عن عدد النسخ المطبوعة، وكانت الطبعات الأولى من بعض الكتب تنفد فيعاد الطبع مرة، وأحيانا مرات، ولاشك فى أن هذا الإقبال لم يكن ثابتا دائما، ولم يكن متاحا بهذا الحجم لكل كتاب، وإنما كان متراوحا يزيد وينقص ويتأثر بمدى ما بلغه مؤلفه من الشهرة، وبما أثاره الكتاب من ردود الفعل عند قرائه، وما تركه من صدى، وأنت تنظر فى مؤلفات طه حسين، فتجد عدد الطبعات التى وصل إليها، تجد الطبعة التاسعة أو العاشرة فى كثير منها، وتنظر فى كتابه الشهير «الأيام» الصادر عن «دار المعارف» فى عام ألفين وسبعة، فتجد أنها الطبعة السبعون، وقريب من ذلك مؤلفات المشاهير الآخرين، المنفلوطى، والرافعى، وتوفيق الحكيم، ثم نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وفى العقود الأخيرة مؤلفات جمال حمدان، وخاصة كتابه «شخصية مصر» الذى صدر فى ثلاث طبعات الأولى فى «دار الهلال» والثانية فى السلسلة الشهيرة التى أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب حين كان يرأسها العزيز الراحل سمير سرحان، وكانت ترعاها السيدة الفاضلة سوزان مبارك، سلسلة «مكتبة الأسرة» والطبعة الثالثة فى سلسلة «الهوية المصرية» فى هيئة قصور الثقافة، وقد نفدت هذه الطبعات الثلاث، وظل القراء يطلبونه مما أغرى بعض الناشرين فى مصر ولبنان بإصداره طبعات لم يعلنوا فيها عن أسمائهم.
ونحن ننظرالآن فى الوضع الذى صار فيه الكتاب فى مصر، وفى الأقطار العربية الأخرى، فنجد للأسف الشديد أن الأمة التى أرسل إليها الله النبى محمدا وخاطبها عن طريقه فقال لها «اقرأ» أصبحت لا تقرأ، وفى دراسة صدرت عن المركز العربى للتنمية أن الوقت الذى يقضيه الطفل العربى فى القراءة لا يزيد على ست دقائق فى العام يقرأ فيها ست صفحات، أما الشاب، فيتراوح ما يقرأه بين نصف صفحة ونصف كتاب فى العام، والقارئ العربى بصورة عامة يخصص للقراءة فى المتوسط عشر دقائق فى العام، مقابل اثنتى عشرة ألف دقيقة، أى مائتى ساعة للقارئ الأوروبى! كما جاء فى دراسة أخرى أن كل عشريين عربيا يقرأون كتابا واحدا فى السنة، على حين يقرأ كل إنجليزى سبعة كتب، وكل أمريكى أحد عشر كتابا، وفى التقرير السنوى الصادر عن مؤسسة الفكر العربى أن نسبة القراءة فى البلاد العربية تدهورت بشكل مخيف، وهى حقيقة مؤكدة أستطيع أن أقدم عليها ألف شاهد، يكفى أن نعرف مثلا أن السلسلة الشهيرة التى كانت تقدمها هيئة الكتاب، وهى »مكتبة الأسرة« وكان عدد الكتب التى تصدرها يصل فى المتوسط إلى نحو مائتين وخمسين كتابا فى العام لم تعد تصدر الآن شيئا، وأن السلاسل التى كانت تصدر عن هيئة قصور الثقافة، بإشراف جرجس شكرى ومنها «ذاكرة الكتابة»، و «الذخائر» و «الهوية المصرية» وسلاسل أخرى وصل عددها إلى ثمانى عشرة سلسلة كانت تجد من ينتظرها ويقتنيها كفت عن الصدور. معدل الالتحاق بالتعليم فى مصر، وفى غيرها من الأقطار العربية لا يزيد فى نهاية سنوات الدراسة على نحو عشرين فى المائة ممن يلتحقون بالمدارس، مقابل واحد وتسعين فى المائة فى كوريا الجنوبية، وثمانية وخمسين فى المائة فى إسرائيل!.
ومع أن معظم الأطفال المصريين الذين يبلغون السادسة من العمر يدخلون المدرسة ويبدأون الدراسة، فأكثرهم ينصرف قبل أن يكمل، والقليلون الذين لا تزيد نسبتهم على نحو عشرين فى المائة يتخرجون وهم أنصاف أميين، لأن عدد المدارس لا يستوعب الجميع، وقاعة الدرس التى لا تتسع لأكثر من ثلاثين تمليذا تتحول إلى ما يشبه علبة السردين بالسبعين أو الثمانين من التلاميذ الذين يحشرون فيها حشرا ويفرضون على المدرسين الذين يعجزون بالضرورة عن أداء رسالتهم، لأن الطاقة البدنية والذهنية التى يحتاج إليها التلميذ الواحد من معلمه كى يتلقى الدرس ويفهمه فهما جيدا ويراجعه مع المعلم ويصححه أصبحت توزع على ثلاثة تلاميذ، وحين يجد المدرس أن الشروط التى يعمل داخل حدودها لا تمكنه من أداء رسالته مهما حاول يهون عليه الإهمال، ويحول العجز المفروض عليه إلى مكسب يناله عن طريق الدروس الخصوصية، فضلا عن أن معاملته لتلاميذه ميراث تلقاه هو نفسه، وهو تلميذ فى المدارس والمعاهد التى تخرج فيها دون أن يكتمل اعداده لأداء الرسالة.
فإذا كانت هذه هى التربية التى تربى بها أجيالنا الجديدة، ونعدها لتقرأ وتكتب وتفكر وتبحث وتنتج فى علوم العصر ما نحتاج إليه أشد الاحتياج لنواجه المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى نواجهها، ونحن نسعى لنلبى لهذه الملايين التى تتضاعف كل يوم ضرورات حياتها من الطعام والشراب، ومن الصحة والمأوى، ومن العلم والكرامة والحرية، ولننقذها من الوقوع فى الفخاخ التى لايزال ينصبها لها المتاجرون بالدين فى الداخل والخارج ـ وفى الدراسات الصادرة أخيرا أن اجمالى ما ينتجه العرب من الكتب لا يزيد على واحد فى المائة من الإنتاج السنوى فى العالم، أما عدد السكان، فيتزايد، ويبلغ أكثر من خمسة فى المائة، فليس أمام الجاهل من متعة يمارسها الا متعة إنجاب الأطفال الذين ينتظرهم مصير آبائهم، الجهل، والجوع، والمرض!. هذا الواقع المتدهور الذى وصل إليه الكتاب فى بلادنا ووصلت إليه الثقافة بشكل عام تتحمل تبعاته جميعا وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالى، ووزارة الثقافة، وأجهزة الإعلام والصحافة، والبرلمان بمجلسيه.
وقد أرجع السيد وزير الثقافة تراجع عدد الكتب المطبوعة إلى ارتفاع أسعار الورق والحبر، وهذا واقع ملموس نعرفه جميعا، لكن السيد الوزير لم يلتفت لما هو أهم، وهو تدهور مستوى التعليم، وتدهور مستوى اللغة المستعملة حتى فى المجالات التى لا يغتفر فيها الوقوع فى أخطاء أصبحت معتادة وتقع فى الصحف، والكتب، والإذاعات، والأوراق الرسمية. وسوف أفترض أن أسعار الورق والحبر انخفضت، هل يكون هذا كافيا ليعود المصريون للقراءة، ويقبلوا على شراء سلعة لا يشعرون بالحاجة إليها؟ وإذا كانت لغتهم وثقافتهم لا تمكنهم من قراءة الكتاب المطبوع، هل تمكنهم من قراءة الكتاب الإلكترونى؟. ولا أجد فى ختام المقالة كلمة يستحقها الكتاب، إلا الكلمة الأولى التى نزل بها الوحى : »اقرأ«.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية