تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أحمد عبدالمعطى حجازي > الكاتب الإسرائيلى يدلى بشهادته!

الكاتب الإسرائيلى يدلى بشهادته!

اليوم أحدثكم عن المقالة التى كتبها دافيد جروسمان عن المذبحة الدائرة فى غزة ونشرتها صحيفة «ها آرتس» الإسرائيلية، وترجمتها ونشرتها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، أحدثكم عن هذه المقالة لأن كاتبها يندد فيها بنيتانياهو، وما فعله، ولايزال يفعله فى غزة، ولكنه يندد فيها بمنظمة «حماس» وما فعلته فى مستوطنة إسرائيلية «كيبوتز» انطلاقا من غزة،.ودافيد جروسمان روائى معروف فى إسرائيل، وفى خارج إسرائيل، وهو أحد المرشحين لجائزة نوبل، لكن نشاطه يتجاوز كتابة الرواية إلى المقالة الصحفية، والحديث الإذاعي، والسيناريو.. ومعنى هذا أنه مقروء قريب من الرأى العام قادر على مخاطبته. ولد فى القدس عام 1954، فهو فى التاسعة والستين من عمره، وتعلم فى الجامعة العبرية، وأصدر عدة روايات وكتابات أخري، منها مجموعة من التحقيقات سماها «الريح الصفراء» وفيها يتحدث عما يعانيه الفلسطينيون تحت الاحتلال، ومجموعة أخرى سماها «وقائع سلام مؤجل»، ومن الواضح أنه ينتمى للمعسكر المطالب بالسلام مع العرب، ليس فقط لأنه مثقف ينحاز بحكم ثقافته ويقظة ضميره للدفاع عن الإنسان، وعن حقوق الإنسان، خاصة وهو يرى بعينى رأسه ما تصبه حكومته كل يوم من صور العذاب على الفلسطينيين، بل أيضا لأنه أحد الإسرائيليين الذين أصبح عليهم أن يصطلوا بنيران الحروب التى يشعلونها، ويدفعوا فيها أثمانا غالية، فقد قتل ابنه فى المعارك التى دارت بين اللبنانيين والإسرائيليين الذين دخلوا لبنان فى عام 2006، ومع هذا فلم يستح إسحق شامير حين أثار دافيد جروسمان غضبه بمواقفه المناهضة للحرب، فاتهمه بالخيانة، وكيف يعرف الحياء إسحق شامير وأمثاله من أعضاء الحركة التى أعلنت الحرب الدائمة على الفلسطينيين والعرب لأنها تريد «أرض إسرائيل الكاملة» ونحن نعرف أن فى إسرائيل جماعات تعمل من أجل السلام، ومثقفين يعارضون نيتانياهو وينددون بالحرب، ويطالبون للفلسطينيين بحقوقهم، ولاشك فى أنهم كتبوا عما يحدث فى غزة، لكنى لم أقرأ إلا هذه المقالة التى نشرت أولا فى «ها آرتس» ثم ترجمت ونشرت فى «ليبراسيون» الفرنسية تحت عنوان «بنيامين نيتانياهو خائن بقلم دافيد جروسمان» وعن هذه الترجمة أقدمها ملخصة، وأبدأ بهذه السطور التى قدمت بها «الليبراسيون» مقالة جروسمان للقراء، قالت إن الكاتب يتنبأ فى هذا النقد العنيف المنشور فى «ها آرتس» بموت كل أمل فى الوصول خلال السنوات المقبلة إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وبنهاية الحلم الصهيونى بدولة يهودية حرة وديمقراطية، ثم تنقل الصحيفة الفرنسية من كلام جروسمان قوله «إن سنوات عديدة يجب أن تمر دون قتال قبل أن يكون ممكنا البدء من جديد فى البحث عن حل»، وتضيف إلى ذلك قولها «إن الكاتب الإسرائيلى الذى يعد من المثقفين الإسرائيليين الملتزمين بالعمل من أجل السلام فى الشرق الأوسط يتهم «حماس» وبنيامين نيتانياهو بأنهما بددا كل أمل فى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو يفسر هذا بقوله: «إذا كان الاحتلال الإسرائيلى جريمة بالفعل، فالهجوم على أطفال وقتلهم بدم بارد ـ يقصد هجوم حماس ـ جريمة أفظع.. ولا أدرى إذا كان بوسعنا أن نسمى أفراد حماس حيوانات بشرية. لكنهم دون شك لم يعودوا بشرا»! وإذا كان الكاتب الإسرائيلى يرى أن «حماس» هى المسئولة الأولى عن هذه الحرب فذلك «لأن جرائم إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ ستة وخمسين عاما إلى اليوم لا تبرر هذا الذى رأيناه بعيوننا» وهو بالمثل لا يعفى من المسئولية رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى يراه «غارقا فى خيانة كل ما هو عزيز لدينا نحن مواطنى هذا البلد».إنه «يتهم نيتانياهو بتخريب البلد ـ إسرائيل ـ لحساب مصالح صغيرة جشعة، وباسم سياسة وقحة قصيرة النظر فاقدة الوعي»، ويواصل الكاتب الإسرائيلى «كيف سنصير؟ أى جنس من البشر سنكون بعد هذه الأيام، وبعد أن رأينا ما رأيناه؟ وأين يمكننا أن نبدأ من جديد بعد تدمير ما تعرض للتدمير، وبعد أن خسرنا ما كنا نؤمن به ونثق فيه؟»، وجروسمان يسأل، وهو خائف متوجس من أن يكون الجواب الوحيد هو أن «إسرائيل ستكون من بعد أكثر يمينية، وأكثر عنفا، وأكثر عنصرية».ولى أنا تعليق سريع على ما قاله جروسمان أبدأه بكلمة لا أظن أنى فى حاجة إليها لأنها مسألة بدبهية، وهى أننا نحن أيضا كغيرنا من البشر نندد بالعدوان على المدنيين، أما قتل الأطفال، فلا أظن أن كائنا آدميا يفكر فى ارتكاب هذا الجرم الوحشى الشنيع، فإذا كان هناك أطفال ومدنيون إسرائيليون سقطوا برصاص أعضاء «حماس»، فأنا لا أتصور أن أعضاء «حماس» تعمدوا قتلهم، لأن قتل المدنيين، وقتل الأطفال إذا حدث عمدا جريمة رهيبة لا يستطيع مرتكبها أن يغتفرها لنفسه، فضلا عن الآخرين الذين لا يستطيعون أن يغتفروها لهلكنى سأفترض أن هذه الجريمة، وقعت فى الهجوم الذى شنته «حماس» على الكيبوتز الإسرائيلي، فهل يكون هذا مبررا للمجزرة التى قرر الإسرائيليون أن يسوقوا إليها أهل غزة جميعا، الرجال، والنساء، والأطفال، والشيوخ؟ هذه المجزرة لم تكن مجرد اندفاع أهوج أو رد فعل غير منضبط يقوم به أفراد ضد أفراد من الفلسطينيين، وإنما هى خطة رسمتها الحكومة الإسرائيلية سلفا ونفذتها بما تملكه من مؤسسات وأجهزة وأسلحة بإتقان واحتراف واستمتاع سادي، وكررتها كل يوم منذ السابع من أكتوبر الماضي.

 

وأنا أشهد للكاتب الإسرائيلى بالشجاعة ويقظة الضمير، سواء فى نقده الحاد الصريح لنيتانياهو وحزبه وحكومته، أو فى دفاعه عن الفلسطينيين وانحيازه لسلام يتحقق بالعدل والتسليم بحق الفلسطينيين فى دولة تضم شتاتهم.وإذن فمن حقهم أن يقاوموا الاحتلال الإسرائيلى دون أن يتجاوزوا حدود المقاومة لتتحول إلى إرهاب واعتداء على المدنيين المسالمين، وأرى فى المقابل أن المدنيين الإسرائيليين عليهم أن يسلموا بحقوق الفلسطينيين، وألا يكونوا أداة فى أيدى الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة التى تصل إلى السلطة بأصوات المدنيين. وأنا ممن لا يقبلون الخلط بين السياسة والدين، لأن الخلط بينهما يفسدهما معا ويحولهما معا إلى طغيان مقدس، فإذا كان هذا الخلط قد وجد من يمارسونه فى بلادنا، فإسرائيل سبقت الجميع فى ممارسة هذا الخلط، إذ هى التجسيد الصارخ للدين الذى أصبح قومية، ثم صار دولة تريد أن تعود بالعالم إلى ما كان يحدث فى العصور الوسطي، وتعتبر نفسها مع ذلك، وتعتبرها بعض الدول الكبرى دولة يمقراطية!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية