تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الإبادة.. باسم مستعار!

سنقع فى خطأ فادح حين نظن أن حرب الإبادة المعلنة من المستعمرين الصهيونيين على الشعب الفلسطينى قد انتهت بالاتفاق على وقف إطلاق النار فى غزة. لا، فمنذ وطئت أقدام هؤلاء الغزاة القتلة أرض فلسطين فى ظل الاحتلال البريطانى القذر بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لم تتوقف هذه الحرب التى اتخذت صورا وأشكالا مختلفة، لكنها ظلت حرب إبادة وإلا فكيف استطاع هؤلاء الغزاة المجرمون الذين لم يكن لهم حتى عشرينيات القرن الماضى وجود فى فلسطين أن ينتزعوا من الفلسطينيين وطنهم بعد أن أعملوا فيهم آلات القتل والترويع والتهجير، ويحلوا محلهم، وينشئوا فيه دولة مزودة بكل أسلحة الدمار التى اخترعها من وقفوا إلى جانبهم ولايزالون وأمدوهم بكل مايمكنهم من أن يشنوا هذه الحرب ويواصلوها مائة عام، ليس على الفلسطينيين وحدهم ، بل عليهم وعلى من يقفون إلى جانبهم ويدافعون عنهم. قد تتوقف هذه الحرب شهورا أو حتى سنوات، لكنها تظل معلنة مادام الفلسطينيون يقاومون من استطاع منهم أن يبقى فيما بقى له من وطنه، ومن لم يجد أمامه ملجأ إلا خيام اللاجئين.

 

بل نحن نرى أن فلسطين لم تعد تكفى هؤلاء الغزاة المتوحشين الذين يعرفون جيدا أنهم سيظلون غرباء فى المنطقة فعليهم أن يحصنوا وجودهم المغتصب بما يقتطعونه من أراضى الضفة الغربية وأيضا أراضى الأقطار المجاورة.

وهكذا تتواصل الحرب. تبدأ فى أكتوبر من العام الأسبق، وتظل مشتعلة حتى يناير فى هذا العام وتبدأ بمذبحة فى قرية، ثم تمتد إلى كل القرى والمدن فى فلسطين وفيما جاور فلسطين. فإذا كان الاتفاق قد تم بين نيتانياهو وحماس على وقف إطلاق النار فى هذه الحرب التى وقف العالم كله يدينها ويطالب بوقفها، فلكى يواصلها شريك نيتانياهو رئيس الولايات الأمريكية بطريقة أخرى يطالب فيها الفلسطينيين الباقين فى غزة بالتخلى عما بقى لهم والهجرة الجماعية إلى مصر والأردن، وكأن فلسطين ميراث ورثة عن آبائه يطالب من سكنوها بإخلائها، وكأن مصر والأردن ميراث آخر يتصرف فيه كيف يشاء .

هذه الدعوة لتهجير الفلسطينيين هى الحرب ذاتها، حرب الإبادة، ولكنها إبادة مقنعة أو مغطاة باسم مستعار يخفى آلات القتل والتدمير والإبادة التى سيواصل بها ترامب نشاطه فى فلسطين وفى المنطقة كلها.

هكذا أصبحت الإبادة هجرة. والفرق بينهما أن الهجرة إبادة يفقد بها المهاجرون وطنهم الذى ورثوه عن آبائهم وأجدادهم ويلجأون إلى مكان آخر يعيشون فيه غرباء مستوحشين ليس لهم فيه ماض ولا حاضر ولامستقبل، وفى هذه الحالة تكون الإبادة أفضل من الهجرة، لأن الإبادة لاتنقلهم من مكان إلى مكان ، وإنما تنقلهم من هذا الزمان البائس إلى زمان آخر يجدون فيه الإنصاف، وهو الحياة الآخرة!.

والذى يصنعه ترامب نيابة عن سميه أوتوءمه نيتانياهو ضد الفلسطينيين وضد العرب أجمعين هو ذاته ماصنعه الإنجليز، والفرنسيون ، والإسبان، والإيطاليون، والبرتغاليون معنا ومع غيرنا فى القرون الماضية، وزعوا أنفسهم على بلادنا، وساروا إليها فى أساطيلهم مدججين بالسلاح كما فعل التتار والمغول من قبلهم واحتلوها ومنهم من لم يكتف بالاحتلال وقرر أن يمتلكها ويجعلها ذيلا لبلاده كما فعل الفرنسيون فى الجزائر، ثم سموا هذا الاجتياح البربرى أو غطوه باسم مستعار بشير إلى عمل تصبح به الأرض الخلاء أو الأرض الخراب عامرة. والغريب أننا صدقنا هذه الكذبة المفضوحة وأصبحنا نسمى الغزو والعدوان الذى يقع من إحدى الدول الغربية فى هذه العصور الحديثة للبلاد الآسيوية والإفريقية استعمارا، وهى الكلمة التى نجدها بمعناها الصحيح فى قوله تعالى فى سورة هود «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» تصوروا!.إلى هذا الحد تبلغ الجرأة بالغزاة الأشرار فيطلقون على أنفسهم الاسم الذى سمى به الله عمله، ثم تنطلى علينا الكذبة الشريرة فنستعمل الكلمة ونرددها بالمعنى الذى أراده هؤلاء المحتلون المغتصبون أو نفهمها بعكس معناها الحقيقى فيصبح الاستعمار تخريبا وتدميرا، وهذا ما نراه الآن فى غزة التى أصبحت أنقاضا وأطلالا، و«مشروع التهجير» الذى أعلن عنه ترامب هو فى حقيقته استمرار لحرب الإبادة التى أعلنها الصهاينة على الفلسطينيين منذ مائة عام ولم تهدأ إلى اليوم ، لأن الفلسطينيين لايزالون موجودين، ولايزالون يقاومون. وليس لهذه المقاومة المستمرة إلا معنى واحد، هو أن المستعمرة الصهيونية فى الطريق إلى النهاية بفعل من أقاموها، لأنهم جعلوا وجودها مشروطا بإبادة أصحاب الأرض الشرعيين، فإذا كانت إبادة الفلسطينيين قد أصبحت صعبة، وإذا كان العالم بصحو اليوم ليرى مايصنعه الصهيونيون وحلفاؤهم بهذا الشعب صاحب الحق، ويستنكر مايلقاه الآن وما لقيه من قبل فقد فقدت المستعمرة الصهيونية شرط وجودها، وإذن فهى التى أصبحت تواجه المصير الذى تستحقه ويستحقه معها من أنشأوها. هؤلاء لم يكونوا معمرين، وإنما كانوا مخربين.

والأحرى بالتنديد والاستنكار رئيس هذه البلاد التى قدمت نفسها للعالم بعد أن نفضت يدها من وجود الهنود الحمر أصحاب البلاد الشرعيين على أنها وريثة الحضارة وحارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس داخل جدودها فحسب، ولا فى البلاد الغربية وحدها، بل فى العالم كله، ثم نفاجأ بهذا الرئيس المتحضر الذى لم تمض على عودته للرئاسة إلا أيام قليلة لاتسمح لإنسان طبيعى بأن يفكر على مهل فى هذا الصراع الدائر فى بلادنا بيننا وبين الغزاة الصهيونيين ويقترح حلا متزنا نستطيع أن ننظر فيه ونناقشة . لا، لم يفكر على مهل ، ولم يقترح حلا ولا نصف حل ، بل واصل ماصنعه نيتانياهو وماصنعه أسلاف نيتانياهو فى الفلسطينيين، وطالبهم بالهجرة من وطنهم، وطالبنا نحن بقبول من هجرهم فى بلادنا، مبررًا سعيه هذا أقبح تبرير وهو إخلاء قطاع غزة أمام الإسرائيليين ليدخلوه دون أن يضطروا لإبادة أصحابه. وهكذا يعين ترامب نفسه مدافعا عن الفلسطينيين مشفقا يسعى لإنقاذهم من المصير الذى ينتظرهم لو أصروا على البقاء فى وطنهم!.

ولقد آن الأوان لنسمى الأشياء بأسمائها الصحيحة ونوقف العالم معنا لأننا أصحاب حق، ولأن الساكت على ضياع حق شعب يفتح الطريق لمن يسلبه حقه.

علينا أن نستصرخ البشر بكل مانملكه من طاقات ونضمن وقوفهم إلى جانب الحق، فإذا لم نفعل فنحن نشجع المعتدين على مواصلة اعتدائهم علينا وتسمية التخريب استعمارا، وتسمية الإبادة هجرة!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية