تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أبغض الحلال
كنت أظن أننا سننتهز فرصة احتفالنا بيوم المرأة المصرية لنعيد النظر فيما وصلنا إليه فى قضيتها، وهى قضيتنا جميعا، التى أثيرت بإلحاح، له ما يبرره فى الأيام الأخيرة، وهى قضية الطلاق التى نتمنى أن نصل فيها إلى حل نقرأ فيه الأحكام الخاصة بهذه القضية قراءة تتفق مع العقل والمصلحة، وننصف فيه المرأة المصرية، ونلبى حاجتنا للشعور بأننا أدينا واجبنا نحوها، ونحو أنفسنا، ونحو الإسلام الذى نؤمن بأنه دين صالح لكل زمان ومكان. وهذه مسألة تستحق أن نبدأ بها لنتحقق من معناها، لأن هذه الصلاحية كثيرا ما تكون كلمات نرددها تعبيرا عن اعتقاد راسخ نكتفى به دون أن نوضحه لأنفسنا ولغيرنا بالأدلة والشواهد المستمدة من النصوص والأخبار التى تثبت تغير الأحكام الخاصة بالمعاملات لتتفق مع ما يطرأ فى الحياة العملية والاجتماعية من تطورات، وبهذا يصبح الإيمان بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان حقيقة ثابتة، ويقينا نستطيع أن نبرهن عليه ونجعله أساسا لخطاب دينى جديد يعطينا الجواب، لا على مسألة الطلاق وحدها، بل على كل المسائل التى طرحها العصر علينا فى السياسة والمجتمع وغيرها من المجالات العملية.
ولنتفق بادئ ذى بدء على أن الإسلام لا يعرف سلطة دينية، ولا يخلط بين الدين والسياسة، ويميز بين العقائد والعبادات التى تظل ثابتة لا تتغير، وبين المعاملات التى تختلف وتتطور من عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى مجتمع آخر.
ونحن نعرف الحديث الشريف الذى يقول: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها»، ونحن نعرف بعد ذلك مكانة العقل فى الإسلام الذى يستحثنا فى كتابه على أن نرى ونفهم ونفكر ونتأمل ونميز بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، وبهذا نعرف طريقنا إلى الإيمان. فالعقل كما يقول الإمام محمد عبده «هو قوة القوى الإنسانية وعمادها، والكون جميعه هو صحيفته التى ينظر فيها وكتابه الذى يتلوه. وكل ما يقرأ فيه فهو هداية إلى الله وسبيل للوصول إليه».
ونحن نعرف أن المصلحة فى الإسلام طريق نهتدى به للخير والصواب، وبهذا المعنى يتحدث القرآن الكريم عن المنفعة فيقول «فذكر إن نفعت الذكري».
ونحن فى قراءتنا للنص القرآنى لا نكتفى بفهم المعنى المباشر، وإنما نسعى كذلك لفهم المعنى المقصود الذى قد لا يفصح عنه النص مرة واحدة.
تعدد الزوجات مسموح به فى الآية القرآنية المعروفة، لكنه ليس هو المقصود؟ وإنما المقصود الاكتفاء بزوجة واحدة. لأن الرجل فى الجاهلية كان له الحق فى أن يجمع العدد الذى يروقه ويستطيع أن يصل إليه بماله وسيفه، ولأنه كان يعرف أن بناته معرضات لهذا المصير الشائن فى مجتمع لا يحتكم إلا للسيف فقد كان كارها لبناته. يسودّ وجهه إذا أنجبت له إحدى نسائه بنتا، وكان يئدهن، فإذا أدركه الموت انتقلت ملكية نسائه إلى أبنائه الذكور، لأن المرأة فى الجاهلية كانت جزءا من التركة. وهو وضع كان سائدا فى كل المجتمعات القديمة عند اليونان والرومان، ولا يزال موجودا فى بعض القبائل المتوحشة فى أمريكا وإفريقيا كما يقول قاسم أمين فى كتابه «تحرير المرأة». وهذا هو الوضع الذى كان عليه العرب حين ظهر الإسلام فتصدى له بالأسلوب الذى كان يتبعه أحيانا، وفيه يصل إلى الحكم النهائى بالتدرج. يبدأ بإباحة ما يسعى لتحريمه ضمن حدود وشروط تساعد على كشف الأضرار التى تترتب على ممارسة ما يراد الإقلاع عنه، وتعطى من يمارسه وقتا يراجع فيه نفسه ويكبح جماح شهواته، وعندئذ يكون التحريم كما حدث مع الخمر، وكما فعل فى تصديه لتعدد الزوجات.
كرّم المرأة فى حديثه عنها، وساوى بينها وبين الرجل من حيث المبدأ، وندد بالرجال الذين يئدون بناتهم وأنذرهم بحساب عسير «وإذا الموؤودة سئلت، بأى ذنب قتلت؟!». ثم سمح فى البداية للرجل بأن يتزوج أكثر من واحدة إذا كانت هناك ضرورة، على ألا يزيد عدد الزوجات على أربع، وبشرط لابد من مراعاته، وهو أن يكون عادلا مع من يتزوجهن، ثم لم يترك للرجل أن يدعى العدل فى علاقة لا يستطيع إنسان أن يكون عادلا فيها، فأنبأه من البداية بأنه لن يتمكن من الالتزام بهذا الشرط. وذلك فى قوله تعالى «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم». وبهذا وضع الرجل أمام خيارين: أن يتجاهل الشرط ويجمع بين أكثر من واحدة فيقع فى المعصية، وتتحول حياته مع زوجاته وأطفاله إلى جحيم، أو يمتثل لما جاء فى الآية ويلتزم العدل ويكتفى بزوجة واحدة تجمعه بها المودة والرحمة والأطفال الذين سيكونون مع هذين الوالدين سعداء ناجحين.
وقد جاءت التطورات التى عرفتها البشرية عامة وعرفها المسلمون فى العصور الحديثة لتعصم المرأة من الرضا بأن تكون زوجة أخري، ولتفرض على الرجل أن يكتفى بزوجة واحدة. وبهذه التطورات ظهر المعنى المقصود من النص القرآنى الذى سبق الكثيرين فى الوصول إلى معناه رائد النهضة المصرية رفاعة رافع الطهطاوى حين اشترط على نفسه فى عقد زواجه أن يكون لزوجته وحدها لا تشاركها فيه امرأة أخري، لا زوجة ولا جارية، وكان هذا فى الوقت الذى سبق تحريم تجارة الرق فى مصر.
وكما تعامل الإسلام مع تعدد الزواج تعامل مع الطلاق. أباحه إذا كان هناك سبب يحتم الانفصال، لكنه جعله «أبغض الحلال عند الله».
ونحن نرى أن الطلاق يقع عندنا الآن دون سبب مفهوم، كما أن الزواج يتم فى كثير من الحالات دون تفكير كاف، ودون استعداد، ودون تفاهم، ودون احترام لهذه العلاقة التى يبتذلها الكثيرون ويهدمونها بكلمة يلجأون لها حين يريدون أن يثبتوا شيئا ولو كان تافها أو ينفوه، ولايجدون ما يقنعون به من يحدثونهم إلا أن يحلفوا بالطلاق كاذبين فى معظم الأحيان. وبهذه الخفة، وبهذا الطيش وانعدام الشعور بالمسئولية يتعاملون مع زوجاتهم فتكون النتيجة هذا الارتفاع الجنونى الذى حدث فى نسبة الطلاق وما نتج عنه من مآس ومصائب تتعرض لها ملايين الأسر المصرية، أى ملايين النساء، وملايين الأطفال، وطبعا ملايين الرجال. وهذا ما حذر منه الإسلام وبين ما يجلبه من مفاسد وجعله محظورا لا يباح إلا لضرورة، ولا يترك للزوجين وحدهما أن يقضيا فيه، بل عليهما أن يحتكما لمن يصلح بينهما، فإن كان هناك سبب يحتم الطلاق فلابد أن يكون هذا الطلاق موثقا وفى حضور شاهدين. وهذا ما انتهى إليه الإمام محمد عبده وتلاميذه ومنهم قاسم أمين، والمراغي، وعبدالمتعال الصعيدى وغيرهم.
هذه القضية ليست وحدها ما نقف أمامه عاجزين نبحث عن الحل فى الفقه الموروث فلا نجده. وليس أمامنا الآن إلا أن نرفع أصواتنا من جديد بتجديد الفكر الديني.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية