لا ينبغى التورط فى المُجادَلة حول أن إسرائيل تُعادِى الصحافة والصحفيين، فهذا ما تَفضحه الحقائق التى تؤكد أن عداءها للصحفيين وصل إلى حده الأقصى بالقتل العمدى! ففى آخر الإحصاءات من غزة، أن إسرائيل قتلت، فى 3 أشهر فقط، 109 صحفيين، معروفين بالاسم وبسجل تفاصيل عمل كل منهم، وبظروف اغتياله! وهذا يُعَدّ، وفق مراقبين دوليين معنيين بحرية الصحافة وحماية الصحفيين، أكبرَ عددٍ من قتل الصحفيين، فى فترة 3 أشهر فقط، مقارَنة بكل الحروب فى العصر الحديث! وبرغم هذا، فإن إسرائيل لا تزال تزعم أنها متمسكة بحرية الصحافة وأنها تحمى الصحفيين! وهذه إحدى المفارَقات الكبرى: لأن الصحفيين الملتزمين بمبادئ مهنتهم، وقوانينها ومواثيقها ورسالتها، والذين يحترمون جمهورهم، ويدققون الأخبار قبل نشرها، تكون نتيجة دأبهم وحرصهم أن يتوصلوا إلى جرائم إسرائيل وملابسات الجرائم والمسئولين عنها، فينشرونها، ويوفرون أدلة موثقة مُفحِمة ضدها للجمهور وللباحثين عن الحقيقة ولجهات التحرى والتحقيق والتقاضى. فَتَرُد إسرائيل على هؤلاء الصحفيين بقتلهم! ليس فقط انتقاماً على ما فعلوا، ولكن أيضاً لردع زملائهم الذين لا يزالون أحياء حتى لا يفعلوا ما فعله الضحايا الذين قتلتهم إسرائيل! وهذه مجرد واحدة من المُفارَقات الخطيرة التى تتعمد إسرائيل عرقلة نشرها. ولم يتوقف أثر نشاط هؤلاء الصحفيين على الإقليم، وانما غطى الكوكب، بما لا يدع مجالاً لأحد بادعاء عدم معرفة الحقيقة، خاصة ممن يؤيدون إسرائيل فى كل سياساتها، ويدعمونها بالسلاح والعتاد والمال والإعلام المعتمد على شهود الزور، ثم تعطيل أى محاولة لمساءلتها! وهذا يدعو إلى الاهتمام بمفارَقة أخرى صارت شديدة الوضوح، عندما ترفع إسرائيل شعاراً أساسياً، لا يستقيم علمياً، بأنها دولة يهودية ديمقراطية! فى حين أن يهوديتها، عملياً، تتعارض بالمطلق مع الزعم بديمقراطيتها، لأنها بيهوديتها تتعصب لرفض، إلى حد التصفية، أى اتجاهات أخرى! كما أن ديمقراطيتها، نظرياً، قد تتيح لغير اليهود أن يصلوا إلى الحكم، ولكنها تعادى هذا الاحتمال لأنه يتعارض مع يهوديتها، ولأنه يشكل خطراً على استقرار يهودية الدولة، مما يجعلها تتوحش ضد غير اليهودى خاصة إذا كانت لديه أفكار أو مواقف ترفض يهوديتها، فتسعى لتدمير فرصه فى النجاح فى الانتخابات! فأى ديمقراطية هذه؟!