يجب تسجيل كل جرائم الحرب الرهيبة التى اقترفها الإسرائيليون فى غزة، بالتصوير التفصيلى، خاصة اللقطات الجوية، ليكون التسجيل نواة لتقرير يرصد حجم التخريب الذى ضرب القطاع، حتى صار من المستحيل إرجاعه إلى ما كان عليه إلا بعد عدة سنوات من العمل الشاق الذى يتكلف ميزانيات ضخمة، وينبغى أن يحدد التقرير محنة سكان غزة، حتى يمكن أن تتهيأ لهم مساكن آدمية، حتى بالمستوى المتواضع الذى كان متاحاً لهم قبل العدوان الإسرائيلى. ويجب أن يُنتَهَى من كل عمليات التسجيل والتوثيق قبل أن تَمَّحى الأدلة مع الدخول فى مراحل إزالة الأنقاض ورفع الركام ونقل الجثامين المتحللة على الطرقات، واستخراج الجثامين الأخرى من تحت المبانى المنهارة..إلخ. وكما ترى، فإن الإشارة المذكورة هى إلى جرائم الحرب المادية فى القصف والتدمير والإحراق، أما الجرائم الأخرى الخاصة بالآلام النفسية التى تسببت فيها هذه الجرائم لسكان غزة، خاصة الأطفال، وأما الجوانب الاقتصادية والقانونية لهذه الجرائم، فلها طرق تسجيل أخرى على يد المتخصصين كل فى مجاله. وينبغى أن تكون عمليات التسجيل تحت إشراف إحدى الهيئات الدولية التى تأخذ المحاكم الدولية بتقاريرها، على أن يُضاف أيضاً سماع شهادة أهل المتوفين، ومَن أفلتوا مِن الموت، وتسجيل آراء قادة إسرائيل إذا ما وافقوا على التعاون مع هذه الهيئة، مع آراء الخبراء المحايدين، العسكريين والقانونيين والسياسيين، فى تفنيد أكاذيب قادة إسرائيل بأنه لم يكن أمامهم سبيل آخر لإنقاذ أسراهم والقبض على مقاتلى حماس إلا بقصف السكان العزل بالطيران العسكرى والصواريخ والمدفعية. وينبغى الإقرار بأن الجرائم ضد مدنيى غزة كانت لأغراض أخرى غير محارَبة مقاتلى حماس، وهو ما تسبب فى ضحايا مدنيين أكثر من 30 ألفاً، منهم نحو 15 ألف قتيل أكثر من نصفهم أطفال ونساء لم يشاركوا فى أى قتال قط، ولم تكن هناك أى شبهات أنهم يمكن أن يشاركوا.

وينبغى أن يُتاح عرض ما يثبته التقرير على مستوى العالم، وحفظه للأجيال الفلسطينية القادمة لتعرف كيف تَحَمَّلت أمهاتهم وآباؤهم وأجدادهم جرائم بشعة كانت تستهدف إرعابهم ليفروا خارج غزة ويتركوها للمعتدي، إلا أنهم صَمَدوا وتَحَمَّلوا هذه الجرائم ليصونوا الأرض، ثم ليُعَمِّروها حتى تعيش عليها الأجيال الجديدة، فلا تسقط من التاريخ الوطنى صفحات مهمة.