تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أحمد سليمان > تصحيح وتجديد وتغيير الفكر الدينى

تصحيح وتجديد وتغيير الفكر الدينى


فى البداية نتفق على أن أى إنسان يُؤخذ منه ويُرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما يَرِد حديث صحيح عن الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والسلام فلا يصح أن يتحدث أحد ـ أيا كان ـ برأى فى القضية المطروحة وذلك مصداقا للآية الكريمة ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرأ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)، وعلى الرغم من أن هذه الآية الكريمة نزلت فى واقعة تخص زينب بنت جحش الأسدية إلا أنها أخذت صفة عموم الحكم بعدم عصيان الله ورسوله إذا قضيا أمراً من أمور الدين.
وكلنا يحفظ الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، ويُفهم من هذا الحديث الشريف الصحيح أن أمر الدين ليس ثابتاً على مر العصور والأزمنة، ولكنه يخضع للتجديد والتحديث طبقا لمستحدثات العصر وأحوال الناس وظروفهم، وهذا يقودنا إلى الحديث الصحيح الثانى الذى أخرجه الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقّحون النخل فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا " تمرا رديئا" فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم. كما ذكره ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه وغيرهم بروايات مختلفة.
هذان الحديثان يؤكدان أن تجديد أمر الدين ليس حراما ولا خروجا عن مقاصد الشريعة ولا مخالفة لشرع الله ، بل هو من صميم المقاصد الشرعية ، وقد يصل إلى حد الوجوب عندما يصل الامر إلى التضييق على عباد الله وخنق حياتهم ومعيشتهم.
وحتى وقت قريب كان فكر الجماعة الإرهابية هو المسيطر على أمور الدين حتى أصبحنا نرى منهم اشياء ليست منطقية ولا واقعية وتخالف العقل والنقل ولكنها كانت لمجرد أن يؤكدوا للناس أنهم هم الأوصياء على الدين لا غيرهم وأن من يرد أخذ أمر من أمور الدين فليأخذه منهم ومنهم فقط، حتى تشبع الناس لسنين طويلة بفكر دينى شاذ، جامد،متظرف، مخالف للعقل والمنطق وإليكم بعض الامثلة:
أولاً: يعتمد أتباع الجماعة الإرهابية ومن والاهم على الشكل والمظهر بنسبة كبيرة من أعمالهم حتى يقنعوا الناس بأنهم اهل الدين والأوصياء عليه، ويأتى فى مقدمة مظهر التدين لبس جلباب قصير فوق عظمتى الرجلين اعتمادا على حديث الرسول الكريم " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله له يوم القيامة" ولكنهم لم يكملوا بقية الحديث ، فالنص الكامل للحديث يقول: (عن ابن عمر رضي اللَّهُ عنه أن النبى صلى الله عليه وسَّم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة" ، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه إن إزارى يسترخى إلا أن أتعاهده  ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" رواه البخارى ومسلم تحت باب (من جر إزاره من غير خيلاء) فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى الجواز).
فالفهم الخاطئ للحديث ، والإصرار على مخالفة عادات الناس وطبائعهم وأعرافهم من سمات أتباع الجماعة الإرهابية،الذين يطبقون مبدأ "خَالِف تُعرف" فأنت ترى الواحد منهم يرتدى جلبابا قصيرا أكثر من اللازم على الرغم من أنه لو فهم حديث الرسول الكريم صحيحاً لأطال ثوبه كما يفعل عامة الناس لأن معظم لبس أهل مصر هو الجلباب المناسب فى الطول والقيمة المالية وبالتالى تنتفى صفة الخيلاء فيمن يرتدى جلباباً يغطى عظمتى القدمين، ولكنهم تمادوا فى الفهم الخاطئ حتى أصبحنا نرى منهم من يرتدى (بدلة) بنطلون قصير جدا فيبدو شاذا فى مظهره عن معظم ملبس أهل البلد.
ثانياً: زبية الصلاة.. معظمنا يصلى والحمد لله ولكن لا تظهر علامة الصلاة أو ما نطلق عليه "زبيبة" بهذا الشكل المبالغ فيه إلا على أتباع هذه الجماعة الذين فهموا خطأ ايضاً الآية الكريمة التى تقول ( سيماهم فى وجوههم من اثر السجود) ، فليس المقصود من أثر السجود أن أضغط على الأرض اثناء السجود حتى تظهر علامة فى جبهتى لتكون أثرا للسجود يجعلنى ابدو أمام الناس اننى من الساجدين الذين ذكرهم الله فى آيته الكريمة.
قال ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية الكريمة إن المقصود بذلك ما يظهر على وجه المصلى المخلص لله الخاشع في صلاته، القائم بما أوجبه الله عليه، التارك لما حرمه عليه، وهذه السيما هي ما يظهر على الوجه من السمت الحسن، والخشوع، والوقار، والتواضع، وقد نقل هذه المعاني ابن كثير في تفسيره "4/205" عن عدد من السلف كابن عباس ومجاهد، ونقل عن منصور عن مجاهد أنه قال: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: الخشوع، قلت: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، فقال: ربما يوجد اثر بين عيني أحدهم ولكنه أقسى قلباً من فرعون، وقال بعض السلف من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
ثالثا: البسملة فى سورة الفاتحة .. التى هى آية أصيلة من فاتحة الكتاب ويجب أن تُعامل معاملة الآيات الأصيلة فى القرأن الكريم كله وتُقرا جَهراً مصداقا لقول الرسول الكريم فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه :(من قرأ الحمد لله فليقرأ باسم الله الرحمن الرحيم فإنها من السبع المثانى) ، ولكن درج أتباع الجماعة الارهابية على عدم قراءة بسملة الفاتحة جهرا وقراءتها سراً اعتمادا على وقائع معينة لها ظروفها،وهم فى ذلك لا يعتبرونها آية أصيلة من الفاتحة، بل يعتبرونها مثلها مثل بقية البسملات فى مقدمات السور القرآنية التى هى غير أصيلة عكس بسملة الفاتحة.، هذا بخلاف امور كثيرة تحتاج تجديد او تغيير الفكر الدينى بشأنها وتتعلق بمصلحة العباد ومنها الايداع والسحب من البنوك ، وهذه القضية تحديدا استفاض فى شرحها فضيلة الدكتور اسامه الازهرى وزير الاوقاف واكد ان معاملات البنوك قبل عام ١٩٧١ شئ وما بعدها شئ آخر ، وادعوكم لمشاهدة هذه الحلقة التليفزيونية الرائعة حول المعاملات البنكية.
أمور كثيرة على هذا المنوال يجب إعادة تصحيحها وتجديد الفكر الدينى بشأنها ، بل وتغيير ما يحتاج لتغيير من فكر الصالحين السابقين فما يتعلق بالأمور الحياتية التى يعيشها الناس ويحتاجون إلى معرفة صحيح الدين بشانها، ونحمد الله أنه يوجد على رأس مؤسساتنا الدينية فى مصر ثلاثة من المجددين للفكر الدينى وهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف والدكتور أسامه الأزهرى وزير الأوقاف والدكتور نظير عياد مفتى الجمهورية.
مهمة علمائنا الأجلاء الثلاثة ثقيلة فى مواجهة الفكر المتطرف والشاذ والإرهابى والمنغلق، ولكنهم قادرون بعون الله على تصحيح وتجديد وتغيير الفكر الدينى بما يتناسب مع مصالح الناس فالحديث الشريف يقول : (حيثما تكزن مصلحة العباد فثم شرع الله).

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية