تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أحمد سليمان > "الأمن الدينى" والأمن القومى

"الأمن الدينى" والأمن القومى

لم يعد مفهوم الأمن القومى مقصوراً على الأمن العسكرى وحماية حدود الدولة الاستراتيجية فقط، بل تعداه ليشمل الامن بمعناه الأشمل، أى كل ما من شأنه تحقيق الامن والحماية والاستقرار للدولة، بما فى ذلك الأمن الاقتصادى والأمن الاجتماعى والأمن السيبرانى والأمن الفكرى أو الوعى بما يحيط بالوطن من مخاطر وعدم الانسياق وراء الشائعات الهدامة.

أعتقد أن "الأمن الدينى" يجب ان يكون أحد مفاهيم الأمن القومى، وأقصد به الأمن الذى يتحقق نتيجة الاعتقاد الدينى السليم الذى يتسق مع صحيح الدين، بلا غلو ولا شطط ولا تهويل وبلا تهوين ايضاً، فالاسلام دين الوسطية والاعتدال، والتلطف، ولعل كلمة "وليتلطف" التى وردت فى سورة الكهف ووقعت فى منتصف آيات القرآن الكريم كله تشير إلى غاية الاسلام، الدين الوسطى وهى "التلطف" وعدم التشدد، فلم يشاد الدين أحد إلا غلبه كما قال رسولنا الكريم فى حديثه الشريف.

فالغزو الفكرى قد ينفذ إلى عقول شبابنا من خلال فتوى غريبة تحمل فكرا شاذاً، وما نشاهده على شاشات بعض الفضائيات وبمواقع التواصل الاجتماعى من فتاوى شاذة وغريبة على مجتمعاتنا قد خرجت عن حدود العقل والمنطق والمعقول فى الوقت الذى تنشغل الدولة بكل أجهزتها بالتطوير والتحديث والسباق مع الزمن لتحقيق نهضة اقتصادية بدأ يشعر بها المواطن فى شتى مناحى الحياة.

لقد آن الأوان لتصحيح هذه العشوائية فى الفتوى التى تصيب أول ما تصيب شباب مصر ، ثروة مستقبلها، خاصة قليلى أو عديمى الثقافة الدينية منهم، الذين يتفاجأون بآراء ولا أقول بأحكام دينية من بعض من يسمون أنفسهم شيوخاً بينما لا علاقة لهم بمؤسسة الازهر الشريف ولا دار الافتاء ولا وزارة الاوقاف، هذه الفتاوى تهدم عقائد راسخة ومفاهيم ثابتة ، وتخترق عقول هؤلاء الشباب لانهم لم يجدوا من يهتم بثقافتهم الدينية ولم يعرفوا حتى الحد الأدنى من الإلمام بأمور الدين.

لقد وصل بنا الحال فى وقت من الأوقات إلى أن يعتلى المنبر أى شخص مهما كانت ثقافته أو مؤهله الدراسى لمجرد أنه صاحب لحية وجلباب وينادى عليه أصدقاؤه بلفظ "الشيخ فلان"، وانساق وراءهم عامة الناس فى هذا الاعتقاد، بينما قد يكون هذا "الشيخ"فى الحقيقة غير حاصل حتى على أى مؤهل دراسى، او بالكاد حصل على مؤهل متوسط، ولكنه حفظ بعض الاحاديث النبوية وبعض سور القرآن الكريم لتكون بضاعته فى الترويج لفكره الشاذ والغريب والذى يكون ضحيته فى النهاية شباب مصر، وكثير منا صادف هذا النموذج من شيوخ المنابر، وكم منا قام بتصحيح فكر هؤلاء الشيوخ بمجرد نزولهم من على المنبر بعد صلاة الجمعة.

الجديد الآن هم شيوخ السوشيال ميديا الذين لارابط لهم ولا ضابط ، ويعيثون فى الأرض فسادا بفتاواهم الفاسدة والمفسدة، والتى تمثل خطراً على الأمن القومى المصرى، لأنها تصيب وعى ووجدان الناس وتغيب عقولهم عن الحقائق، فصادر هذه الفتاوى لم يلم بكل شئ يخص موضوع الفتوى التى يفتى بها، ويعتمد على أمور وقواعد قديمة سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو حتى فقهية.

مطلوب ثلاثة أمور فى غاية الأهمية فى هذا التوقيت المهم والحساس من عمر الوطن، اولها صدور تشريع بمنع صدور الفتوى إلا من عالم معتمد من علماء الازهر الشريف او دار الافتاء او وزارة الاوقاف، وينطبق ذلك على كل وسيلة اعلامية أو وسيلة تواصل اجتماعى، حتى لو كان مصدرها عالم أزهرى، فهناك من أساتذة الازهر الشريف من شذوا بفتاوى وأحدثوا فتنة بين الناس سواء أكانوا من الرجال أو من النساء، ولكن الحمد لله عددهم لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة.

الأمر الثانى هو ضرورة ان تختار مشيخة الازهر الشريف ودار الافتاء ووزارة الاوقاف أسماء بعينها تمثل المؤسسة الدينية بشعبها الثلاث ليكونوا هم اصحاب الحق فى اصدار الفتاوى للناس، وحسنا فعل الدكتور اسامه الازهرى وزير الاوقاف عندما قرر اختيار مجموعة من علماء وزارة الاوقاف ليكونوا هم ـ وهم فقط ـ من لهم حق التحدث لوسائل الاعلام، والشئ نفسه تفعله دار الافتاء، فخصصت امناء الفتوى بالدار للرد على فتاوى الناس فى اى شان من شؤون الدنيا.

أما ثالث الأمور المهمة فهو ضرورة تثقيف الناس دينيا من خلال لقاء اسبوعى بالقنوات الفضائية لكل من فضيلة الدكتور أسامة الازهرى وزير الاوقاف وفضيلة الدكتور نظير عياد مفتى الجمهورية كما يفعل فضيلة الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر، وذلك على غرار اللقاء الاسبوعى لفضيلة المرحوم الشيخ محمد متولى الشعراوى الذى كان ينتظره المصريون والعرب جميعاً بكل فئاتهم واعمارهم فى برنامجه "خواطر فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى" عقب صلاة الجمعة، وحبذا لو زاد معدل لقاءات هؤلاء العلماء الأجلاء بجمهور المسلمين طوال الاسبوع، فهذه اللقاءات تمثل أحد أهم عناصر الأمن القومى المصرى لمواجهة الافكار المغلوطة والهدامة والشاذة التى قد تكون كفيلة بهدم الأوطان وضياع ماتم من انجازات فى سنين طويلة، مع ضرورة الاهتمام أيضاً بحصة التربية الدينية فى المدارس، واهتمام الأسرة بتثقيف ابنائها منذ الصغر لتحصينهم ضد الافكار الخاطئة والقتاوى المضللة، وتعليمهم اللغة العربية الصحيحة ليستطيعوا تذوق معانى آيات القران الكريم وفهم واستيعاب البلاغة اللغوية بالآيات حتى لا يتلاعب بهم احد من مثيرى الفتنة وكارهى الوطن. 

إن نشر الثقافة الدينية الصحيحة بكل وسائل الاعلام والصحف ووسائل التواصل يعتبر أحد المهام القومية لكل مؤسسات الدولة وفى المقدمة منها المؤسسة الدينية ووسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية