تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أنقذوا أبناءنا من فخ الإدمان الرقمي
مع اقتراب نهاية العام الدراسي، تدق ساعة الخطر!
تبدأ الإجازة الصيفية وتبدأ معها رحلة الإدمان على الهواتف والألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل،
فنحن في زمن أصبحت فيه الشاشات جزءًا من الحياة اليومية، حيث يواجه اطفالنا خطر الإدمان الرقمي أكثر من أي وقت مضى. فهناك آلاف الأطفال سيجدون أنفسهم فجأة أمام بحر واسع من الوقت والفراغ، يتّجه معظمهم فيه إلى ملجأهم المفضل وهو الهواتف المحمولة،
ومن هنا تنبع أهمية الحديث عن هذه القضية مبكرًا، قبل أن تتحول الإجازة الصيفية من مساحة للراحة والنمو، إلى فخ مفتوح على مصراعيه. فالتعامل مع هذا التحدي لا يتم إلا برؤية شاملة تشمل التوعية، الدعم النفسي، وبدائل حقيقية على الأرض.
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الطفل يقضي في المتوسط أكثر من 6 ساعات يومياً أمام الشاشات خلال الإجازات.
وتؤكد تقارير دولية أن واحداً من كل 3 أطفال يعاني من أعراض نفسية مرتبطة بالاستخدام المفرط للإنترنت، مثل التوتر، الانعزال، واضطرابات النوم.
كما كشفت وزارة الصحة والسكان في مصر عن المخاطر التى يتعرض لها الأطفال بسبب الاستخدام المفرط للانترنت، خاصة أن إحصائيات استخدام المراهقين في مصر للإنترنت والألعاب الإلكترونية لمدة أكثر من 6 ساعات، بلغت 20٪.
وقد عرفت وزارة الصحة والسكان إدمان الإنترنت بأنه "استخدام الإنترنت بما يتجاوز 38 ساعة أسبوعيا لغير حاجة العمل، مع الميل إلى زيادة ساعات استخدامه لإشباع الرغبة نفسها التي كانت تشبعها من قبل ساعات أقل، مع المعاناة من أعراض نفسية وجسمية عند انقطاع الاتصال."
وذكرت الوزارة أن آخر الدراسات العلمية التى اجريت على استخدام الأطفال للإنترنت، تشير الي أن 15٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و11 عامًا يعانون من أعراض إدمان الإنترنت، بينما ارتفعت النسبة إلى 28٪ بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا.
وحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغ عدد الأطفال في مصر 39.5 مليون طفل (20,3 مليون من الذكور بنسبة 51.3%، 19,2 مليون من الاناث بنسبة 48.7%) وذلك في بداية 2024.
ولأن هذه القضية ليست قضية محلية فقط، بل هي خطر يهدد الاطفال في كل مكان، فقد بدأت عدة دول باتخاذ خطوات حاسمة للحد من التأثير السلبي لاستخدام الأطفال لوسائل التواصل والشاشات، وتتنوع السياسات والإجراءات التي تسعى لحماية النشء،
ونشير هنا لبعض النماذج العالمية التى يمكن الاستفادة منها والبناء عليها في مجتمعاتنا. إن دراسة هذه النماذج العالمية قد تمنحنا رؤى مهمة لصياغة حلول محلية أكثر فاعلية وتأثيرًا.
فعلي سبيل المثال أصدرت الولايات المتحدة قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت)، وتسعى حالياً لإقرار قانون حماية الأطفال من وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يحظر فتح حسابات للأطفال تحت سن 13 عاماً، ويشترط موافقة الأهل حتى سن 18.
أما جمهورية الصين الشعبية فقامت بفرض قيود صارمة على الألعاب الإلكترونية، حيث يُمنع من هم دون 18 عامًا من اللعب أكثر من 3 ساعات أسبوعيًا، في أيام محددة فقط. كما وضعت قواعد زمنية لمنصات الفيديو القصير مثل "تيك توك" داخل الصين، بحيث تُغلق تلقائيًا بعد 40 دقيقة استخدام للأطفال.
كما طوّرت كوريا الجنوبية نظامًا إلكترونيًا حكوميًا يُعرف بـ"الساعة الذكية"، يغلق تلقائيًا الألعاب على أجهزة الأطفال بعد تجاوز عدد ساعات معين يوميًا.
لقد بات الإدمان الرقمي خطرًا حقيقيًا لا يهدد الأطفال فقط، بل يمتد أثره إلى الأسرة والمجتمع بأكمله.
وهو تحدٍّ لا يمكن أن تتصدى له جهة واحدة بمفردها، بل يتطلب تضافر الجهود بين الدولة والأسرة والمؤسسات المختلفة. فكل طرف في المجتمع له دور ومسؤولية، تبدأ من التوعية ولا تنتهي عند التشريع أو توفير البدائل. ومن هنا، تأتي أهمية عرض الحلول الممكنة التي يمكن أن تشكل بداية حقيقية لحماية جيلنا الصاعد من هذا الخطر المتسلل بهدوء إلى تفاصيل حياتهم اليومية، في عالم تزداد فيه الشاشات سطوعًا، وتقل فيه فرص اللعب والاندماج الاجتماعي.
فعلى صعيد الأسرة، من الضروري أن يبدأ أولياء الأمور بالتحدث مع الأبناء بلغة تتناسب مع أعمارهم عن مخاطر الإنترنت، دون ترهيب أو مبالغة، وأن يحرصوا على تخصيص وقت للأسرة خالٍ من الشاشات والاجهزة المحمولة، والعمل علي تعزيز الأنشطة التشاركية مثل الرحلات القصيرة أو الألعاب التقليدية.
كما يُنصح باستخدام أدوات الرقابة الأبوية المتاحة حاليًا على معظم الأجهزة الذكية والتطبيقات لضبط المحتوى والوقت المسموح به.
أما الحكومة والمؤسسات التعليمية، فعليها أن تُدخل موضوعات "الأمان الرقمي" والإدمان السلوكي في المناهج الدراسية، ليس فقط كمعلومات نظرية، بل كممارسات حياتية ملموسة.
كذلك يجب تدريب المعلمين على رصد العلامات المبكرة للإدمان الإلكتروني، وتشجيع المدارس، خاصة في المناطق الريفية والأقل دخلًا، على إطلاق برامج صيفية مجانية أو شبه مجانية، تُمكّن الأطفال من ملء أوقات فراغهم بأنشطة مفيدة.
وهناك دور هام علي المجتمع المدني ومؤسسات الثقافة والإعلام دورًا محوريًا، يمكن البناء عليه وتفعيله من خلال استغلال الإمكانيات المتوفرة في مراكز الإعلام الداخلي، وقصور الثقافة المنتشرة في المحافظات، وذلك بتنظيم ورش عمل فنية مثل الرسم والمسرح والموسيقى، وإطلاق مسابقات ثقافية ورياضية في الأحياء والقرى، إلى جانب عقد محاضرات تفاعلية للأهالي والأطفال عن الاستخدام الآمن للإنترنت وتأثيراته النفسية والسلوكية.
إن مواجهة الإدمان الرقمي لم تعد خيارًا، بل واجبًا مجتمعيًا ملحًا، يُعدّ الاستثمار فيه استثمارًا في سلامة حاضر أبنائنا واستقرار مستقبلهم وهذا المستقبل لابنائنا يعد أولوية وطنية وأخلاقية.
الحقيقة المؤلمة أنه مع كل اجازة صيف - بل احياناً علي مدار العام - نجد انفسنا أمام اختبار جماعي فإما أن ننتصر لبراءة اطفالنا ونحميهم، أو نتركهم فريسةً لشاشة لا ترحم. صرختنا هذه ليست صرخة فزع، بل نداء حب وواجب تجاه جيل نرجو أن يقود بلادنا إلى المستقبل بثقة وقدرة وصحة نفسية متزنة.
sallamahmed2@gmail.com
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية