تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أحمد سلام > رمضان بين مصر والصين تقاليد وعادات متقاربة

رمضان بين مصر والصين تقاليد وعادات متقاربة


المسلمون العرب والأجانب في الصين:
يتواجد في الصين عدد كبير من المسلمين الأجانب (من كافة الجنسيات العربية والأفريقية والآسيوية.. إلخ)، وعلى وجه الخصوص الوافدين من بلدان عربية، ومن بينهم دبلوماسيون ودارسون وتجار ومستثمرون.
ويُعد شهر رمضان فرصة لتجمع المصريين والعرب المتواجدين في الصين لاستعادة الذكريات والأغاني الرمضانية وتناول الإفطار معًا، حيث يمتد السهر حتى وقت السحور. وعادةً، يتجمع المسلمون العرب المقيمون في بكين بأحد المساجد العربية الكائن بالسفارة السودانية، حيث يقومون بأداء صلاة التراويح، ويتم تقديم الحلويات العربية المعتادة مثل الكنافة والجلاش والفاكهة والتمر والمشروبات الساخنة من شاي وقهوة وغيرها. ويتجاذب الجميع أطراف الحديث بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح، وفي العشر الأواخر تكون صلاة التهجد.
ودائمًا ما تحرص السفارة المصرية والمكاتب الملحقة بالسفارة على تنظيم موائد إفطار تجمع أفراد الجالية المصرية. تُقام هذه الدعوات في بيت السفير المصري أو في أحد الفنادق الكبرى، حيث يتاح للمصريين الاستمتاع بالأجواء الرمضانية وسط الأطعمة المصرية التقليدية مثل الفول والطعمية، الكباب، الكفتة، شوربة العدس، والمشروبات الرمضانية كقمر الدين والكركديه. ومن الحلويات، تحضر الكنافة والجلاش والبسبوسة. وتعد هذه التجمعات فرصة لسماع صوت الشيخ محمد رفعت الذي يبعث الحنين للأجواء الرمضانية المصرية، إلى جانب الأغاني المرتبطة برمضان مثل أغاني فؤاد المهندس وبوجي وطمطم وبكار. كما كان يتم تنظيم مسابقات دينية وتقديم هدايا للأطفال وأبناء المصريين، بالإضافة إلى دعوة الضيوف الصينيين والأجانب للتعرف على الأجواء الرمضانية المصرية.
الأزهر الشريف:
في الحقيقة، لا يخلو أي حديث مع المسلمين، سواء أجانب أو صينيون، خلال شهر رمضان، من ذكر فضل الأزهر الشريف، خاصة لدى المتحدثين باللغة العربية. حيث لطالما كانت مصر، وخاصة جامعة الأزهر بالقاهرة، وجهة مهمة للمسلمين الصينيين الذين يسعون لتعلم الإسلام. ولعل أشهرهم ، تلك المجموعة المكونة من أربعة طلاب مسلمين والتي حضرت إلى مصر في عام 1931. وكان منهم العلامة ( محمد ماكين، أو "ما جيان" كما يُلقبه الصينيون )، كان عالِمًا أزهريًا بارزًا لعب دورًا محوريًا في نشر اللغة العربية في الصين. وُلد عام 1906 في قرية شاديان بمقاطعة يوننان، وجاء إلى مصر عام 1931 ضمن أول بعثة صينية للدراسة بالأزهر، حيث حصل على شهادة العالمية عام 1939. بعد عودته إلى الصين، أسس مع زملائه كلية اللغات الشرقية بجامعة بكين عام 1946، مما أدى إلى إدراج اللغة العربية رسميًا في المناهج الدراسية الصينية، لم يقتصر إسهامه على التعليم، بل ترك بصمة علمية متميزة من خلال تأليف وترجمة العديد من الكتب، أبرزها ترجمة معاني القرآن الكريم و"تاريخ العرب العام"، كما ترجم من اللغة الصينية إلى العربية كتب - «الحوار» للحكيم الصينى «كونفوشيوس والأساطير الصينية» و«الأمثال والحكم الصينية» وغيرها من مؤلفات التراث الصينى، وأصدر طبعتها الأولى فى القاهرة فأثرى المكتبات العربية بتحف نادرة من كنوز الحضارة الصينية.. تقلد مناصب سياسية بارزة، وكان عضوًا في المجلس الاستشاري السياسي للشعب الصيني ونائبًا بالمؤتمر الوطني لنواب الشعب. ظل حتى وفاته عام 1978 رمزًا لنشر رسالة الأزهر وتعزيز الروابط الثقافية بين العرب والصينيين  ليُخلد التاريخ اسمه كواحد من أهم الرموز التى قامت بنشر رسالة الأزهر العالمية وتعليم الصينيين اللغة العربية..
وهناك علماء صينيون كثيرون، مثل السيد يوسف مادا شين (1794-1874م) هو أحد أبرز العلماء المسلمين في الصين، ينتمي إلى قومية "هويّ" وكان له دور كبير في نشر الثقافة الإسلامية بين المسلمين الصينيين. تميّز بإتقانه العربية والفارسية، وحرص على ترجمة العديد من الكتب الإسلامية إلى اللغة الصينية لتعريف المثقفين الصينيين بالإسلام. نشأ في بيئة دينية، ودرس العلوم الإسلامية على يد علماء بارزين، ثم واصل تعليمه في مكة ومناطق أخرى مثل القاهرة والقدس واسطنبول. بعد رحلة علمية دامت ثماني سنوات، عاد إلى الصين ليُصبح أحد رواد "التعليم المسجدي"، الذي كان أساس نشر المعارف الإسلامية بين المسلمين الصينيين، وساهم في تطويره وتعليمه، حتى لُقِّب بـ"المعلم الكبير".
اتسم أسلوب مادا شين بالوسطية والاعتدال، حيث سعى إلى تقديم تعاليم الإسلام بما يتناسب مع المجتمع الصيني، مما ساعد في اندماج المسلمين في وطنهم مع الحفاظ على هويتهم الدينية. ألف العديد من الكتب في قواعد اللغة العربية، والفقه، والتقويم الإسلامي، كما كان أول من ترجم أجزاء من القرآن الكريم إلى الصينية. ومن أبرز مؤلفاته: مجمع الأربع كتب، العودة إلى الحق، مغزى الحياة، وشعائر الحب. يظل إرثه شاهدًا على دوره في ترسيخ الثقافة الإسلامية في الصين وتعزيز الحوار بين الحضارات.
لطالما كان الأزهر الشريف منارة علمية وفكرية استقطبت عددًا كبيرًا من الشخصيات والرموز الصينية، الذين نهلوا من علومه وعادوا ليكونوا سفراء للإسلام الوسطي في بلادهم.
تجربتي الشخصية في رمضان ببكين
في عام 1999، وأثناء دراستي بجامعة بكين، وقبيل حلول شهر رمضان الكريم، اتفقنا كدارسين مسلمين على أهمية التواصل مع إدارة الجامعة، وطلبنا منهم بالفعل أن يسمحوا لنا باستخدام مطبخ الطلبة وقاعة الطعام، وذلك للقيام بإعداد وجبات وتناول الإفطار الجماعي للطلبة الدارسين من العرب والمسلمين. وفي حقيقة الأمر، فقد سُمح لنا بعد إجراءات روتينية صعبة باستخدام المطبخ وقاعة تناول الأطعمة. حيث قمنا بتكوين فريق يتناوب على عمليات إعداد الأطعمة والوجبات ثم تناولها سوياً بشكل جماعي، ونتجاذب أطراف الحديث والمعلومات الدينية. وبعد تناول وجبة الإفطار، كنا نصلي صلاة المغرب في جماعة، وبعد ذلك يقوم كل منا بالمهمة المكلف بها من حيث تنظيف المكان والأدوات وغيرها. ومما كان يسعدني أن الابتهالات والأغاني والأناشيد الرمضانية المصرية كانت حاضرة معنا دائمًا، مما يجعلنا نعتز بوطننا وبلدنا مصر الغالية دائمًا.
أما خلال الفترة من 2009 – 2013، وإبان عملي كمستشار إعلامي لجمهورية مصر العربية ببكين، فقد كان شهر رمضان فرصة لتجمع أكبر عدد من المصريين، إما ببيت السيد السفير المصري أو بقيام المكاتب الفنية الإعلامي والسياحي والثقافي بدعوة المصريين المقيمين بالصين والدارسين لتناول الإفطار في أحد الفنادق الكبرى أو المطاعم العربية. ويتكرر هذا الأمر عدة مرات خلال الشهر الكريم، ويتم تقديم المأكولات المصرية مثل الفول والطعمية والمشويات، وذلك مع الاستماع إلى آذان الشيخ محمد رفعت وابتهالات الشيخ النقشبندي، وكذا أشهر الأغاني الرمضانية. ويتم إعداد مسابقات وتقديم الهدايا للمصريين وأبنائهم وسط جو أسري وعائلي وجو رمضاني وروحاني جميل.
يُظهر شهر رمضان  في مصر والصين أن روح الشهر الفضيل واحدة رغم اختلاف العادات. فالمسحراتي في مصر له ما يقابله من تقاليد إيقاظ السحور في الصين، وموائد الرحمن المصرية لها نظيرها في الإفطارات الجماعية بالمساجد الصينية. ورغم أن الفانوس لا يحتل نفس المكانة الرمزية في الصين، إلا أن روح الفرح والاحتفال برمضان موجودة بقوة.
يبقى رمضان شهرًا يجمع القلوب ويوحد المسلمين حول العالم في أجواء من الإيمان والتراحم. وسواء كنت في القاهرة أو بكين، فإن الشهر الفضيل يظل فرصة لتعزيز الروابط الروحية والاجتماعية، وهو ما يجعل تجربتي في رمضان بالصين واحدة من أغنى التجارب التي عشتها في حياتي، ولكن في النهاية فان ( رمضان في مصر حاجة تانية ).
*المستشار الاعلامي المصري السابق ببكين
وكيل الوزارة بهيئة الاستعلامات سابقاً 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية