تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أحمد الجمال > معرض الكتاب.. شهادة لشعب مصر

معرض الكتاب.. شهادة لشعب مصر

بدا المشهد فيما كنت أقود السيارة ببطء بالغ وأضغط الكوابح - أى الفرامل- كل ثانيتين، وكأنه الليلة الكبيرة لموالد آل البيت - رضوان الله عليهم - والبدوى والدسوقى والشاذلى والقناوى وقد حضرتها جميعًا.. حشود من كل الفئات الاجتماعية والعمرية.. أفندية وهوانم وسيدات وآنسات وأصحاب جلاليب وصاحبات نقاب.. وجينز وشعر مرسل، وأياد تحمل أكياسًا بلاستيكية عديدة مليانة كتب وأياد أخرى تجر حقائب سفر كبيرة مليانة كتب أيضًا.

وفيما كنت أشاهد قناة فرنسا 24 تابعت تقريرًا مصورًا من القاهرة، يقول إن اليوم هو رابع أيام معرض الكتاب، حيث يفد إليه كل يوم ما بين مائتى ألف ومائتين وخمسين ألف زائر، وهو عدد كبير، إلا أننى أشهد وأبصم بالعشرة أن أيام الجمعة التى تصادف وكنت محاضرًا أو مناقشًا فيها كانت الحشود مليونية بكل معنى الكلمة، وقد قاربت من السقوط من طولى عندما كنت أنتقل من بلازا اثنين إلى بلازا واحد عبر تخريمة من داخل الممرات الطويلة فى قاعات العرض،

وكدت أصيح صيحات الدرويش فى ليلة صلاح جاهين الكبيرة اسعى.. اسعى خدلك صورة ستة فى تسعة.. أو صيحة راكب البسكليتة وعلى رأسه طاولات عيش بلدى، مخترقًا المولد: اوعى الزيت.. اوعى الزيت.. اوعى الجاز! حتى يفسح الناس الطريق!

ملايين من المصريين، ومئات من العرب والأجانب كانوا فى معرض الكتاب هذا العام، ليقول المصريون وبالعربى والبلدى الفصيح: ها نحن شعب القراءة.. شعب الاحتفاء بالعلم والمعرفة والثقافة.. ها نحن مع الفول والطعمية والبطاطس المحمرة والباذنجان المقلى والمخلل والرقص البلدى والمواويل نتزاحم على القصة والرواية وديوان الشعر وكتب التراث والتاريخ والسياسة والاقتصاد والاجتماع واللغات وكل فروع العلم والمعرفة..

ها نحن نبرهن بحشودنا من كل الفئات الاجتماعية والعمرية والمهنية أننا نستحق الحياة ويفخر وطننا بنا كما نفخر بانتمائنا له ونعمل على ترجمة الانتماء إلى سلوك يومى رشيد.

رغم أن قاعات مركز المعارض العديدة مختلفة المساحة ولكن أصغرها يتسع لمائتى كرسى أو يزيد، احتشدت بدورها بجمهور متنوع، وكانت المفاجأة كثافة الحضور للمشاركة فى الاستماع وفى مناقشة موضوعات قد تبدو جافة أو ثقيلة أو متخصصة، وقد تنوعت المحاضرات والفعاليات فى عدة محاور، كان منها عناوين: الخروج إلى النور الحضارة والتجارب الثقافية وأدب الطفل، وكاتب وجائزة، وكاتب وكتاب وغيرها، وداخل كل محور كانت عشرات اللقاءات، فى انضباط للوقت وآداب للحوار وتدفق للعلم وللمعرفة وللشعر والنقد وغيرها، وربما كان المثلب الوحيد فى هذا المشهد الكلى هو أنه كان وكأنه موائد مفتوحة بوفيه مفتوح، تتراص عليها مئات الأطباق المتنوعة الشهية المرضية لكل الأذواق، تجعل الجائع النهم يشبع لدرجة التخمة، ومع ذلك فإنه لا يستطيع الإتيان عليها كلها..

وأشهد شهادة لا يكتمها إلا صاحب القلب الآثم إننى عشت جزءًا يسيرًا من الجهد الذى كان وبقى من وراء هذا العمل الجبار، حيث المايسترو الذى كتب النوتة وأشرف على العزف ووجهه، بل وكثيرًا ما شارك فى التفاصيل الدقيقة، وهو الأستاذ الدكتور أحمد بهى الدين العساسى، أستاذ الأدب العربى، ورئيس الهيئة العامة للكتاب، المتميز بالثقافة الموسوعية العميقة والهدوء والقدرة على الاستماع جيدًا، واتخاذ القرار حاسمًا، وتحمل الصعوبات ورذالة محترفى وضع العصى فى عجلات الأعمال الناجحة، وبعضهم من الذين كانوا منتفعين متربحين فاسدين، حرموا من الانتفاع والتربح والإفساد والفساد، فقرروا حمل التراب لنثره على تلك الجهود، وربما تأتى الفرصة لكشف هؤلاء الوطاويط.

وبالطبع فإن فريق عمل كبيرا بقى ينجز مع الدكتور أحمد بهى الدين، وكان للمعرض هيئة استشارية عليا ضمت كفاءات علمية وثقافية على أعلى مستوى، ناقشت وخططت مرحلة بعد مرحلة، وكان أيضًا فريق العمل المدرب الواعى بالمهمة من العاملين والعاملات فى الهيئة العامة للكتاب..
ثم إن كل ما تم ويتم لم يكن له أن يكتمل بهذه الصورة البالغة التميز المشرفة لوطننا إلا برعاية وزيرة الثقافة وجهات مسئولة أخرى، ليثبت المصريون أنهم إذا فكروا وأرادوا وأجادوا الإعداد وعملوا كفرق عمل أنجزوا إنجازًا عظيمًا.. تهنئة لمصر ولكل الناشرين ودور النشر الذين هم العمود الفقرى لما تم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية