تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فى عيدها.. ذكريات مع سيناء
مرّ أكثر من أربعة عقود على تحرير سيناء، وأكثر من ثلاثة عقود على تخليص طابا، ورغم أن اليهود يجب أن يكونوا أكثر من يعلم قيمة الأرض والارتباط بها، وتوحد أهلها بها، إلا أنهم لم يتوقفوا عن استمرار التنمر والتآمر على أرضنا فى سيناء، ذلك بفرض أن أسطورتهم صحيحة.
ومهما قيل أو كتب عن تلك الأرض المقدسة فإنها تبقى ملهمة، تتجدد زوايا رؤيتها وفهم جغرافيتها وتاريخها وقيمتها على الدوام.
ولا أبالغ إذا أشرت إلى أن تواصلى مع سيناء بدأ مبكرًا، وتحديد عام 1956، عندما كان خالى حمدى الجمال مجندًا فى الكتيبة الخامسة مشاة، وشارك فى صد العدوان وانقطعت أخباره وهو فى سيناء، ومرت الأسابيع الطويلة حيث كانت تقف أمه «جدتي» ترقب الأفق يوميًا وتدعو الله.. إلى أن فوجئت ذات يوم بمن يقترب من الباب الغربى للدار.. شخص طويل هزيل الجسد أغبر البشرة هائش الشعر، يلبس جلبابًا لا يكاد يصل إلى ركبته، ويحمل سلة من الخوص، ونهرته، إذ ظنته أحد المجاذيب المتصوفة الذين كانوا يلجأون بكثرة إلى تلك الدار، وسقطت الأم من طولها عندما سمعته يقول: «أنت مش عارفانى يا أمه... أنا حمدي»؟!.. وكان قد أفلت من الأسر وساعده بعض أهل سيناء، فألبسوه جلبابًا وصندلًا وأعطوه الوعاء وبه طعام.
ثم جاءت 1967 وفيها عشت أيضًا التواصل السمعى والإنسانى مع سيناء، إذ انقطعت أخبار ابنى عمى المقدم المهندس الشهيد فؤاد عبدالحكيم الجمال، والرقيب مجند المرحوم إبراهيم محمد الجمال.. استشهد الأول فى منطقة المغارة وعاد الثانى بعد تبادل الأسرى.
وفى 1968 انتظم تواصلى الإنسانى بسيناء عبر العلاقة الوثيقة التى ترسخت بينى وبين عضو مجلس الأمة آنذاك الشيخ على حسن خلف، ومن ثم مع القطب الصوفى الأبرز الشيخ عيد أبو جرير، ومن معهما فى الساحة الجريرية بجزيرة سعود، وفى أماكن أخرى بمحافظة الشرقية ومديرية التحرير وغيرها من الأماكن التى احتضنت من هاجروا من سيناء إثر العدوان.
وبدأت مراسلة أخى وصديقى وابن صديقى الشيخ على خلف، وهو شيخ المجاهدين حسن خلف.. وكان محكومًا عليه بالسجن المؤبد عدة مرات، وأودعه الصهاينة سجن عسقلان.. إلى أن تم تبادله وتكريمه، وكان نجمًا وطنيًا ألقى كلماته عدة مرات أمام الرئيس السيسى فى ندوات القوات المسلحة.
وكنت فى مجلس الشيخ عيد، القطب الصوفى وشيخ مشايخ قبيلة السواركة، أتابع مجريات تأسيس ورعاية منظمة سيناء العربية.. وفى ذلك تفاصيل سبق وكتبت عنها، وأتمنى أن أتوسع فيها وأضمنها مذكراتي.
عرفت أهل سيناء الغالية، وحضرت أفراحهم، وشاركتهم «السامر» و«الدحية» وأنشدت «..ما أحسن صلاة النبى فى قلوب مطمئنة»، وحفظت بعضًا من أشعارهم، وأذكر الأبيات التى انطلق بها لسان أحد مشايخهم عندما وجد خسيسًا يتحكم فى الأحرار الجالسين فى انتظار مقابلة الحكمدار البريطانى، ومنها: «دار الفلك دار.. وصار القمر شمس/ والشمس غديت هلال/ وكحيلنا اللى كان يشبى على الخمس.. اليوم يسحب فى مكين الحبال.. وكديشنا اللى كان نكسيه بالحلس.. اليوم فى عز القوى والدلال».
ومعنى الكلام أن الزمن تغير وحطمت عادياته كل الثوابت، فالقمر صار شمسًا، والشمس صارت هلالًا.. والحصان العربى الأصيل الكحيل الذى كان يستطيع تلقيح خمس مهرات صار هزيلًا مكبلًا بالحبال.. أما البغل الخسيس الذى كان يكسوه الخيش «الكديش» فصار فى أعلى المراتب والأموال.
وعرفت- إلى حد كبير- الفرق بين «البدو» وبين «اللدو»، ومن هم طباخين المياه.. وجالست أحبابًا من العريضات والرميلات والبياضية والترابين والعنيزات وعرب بلى وغيرهم، ولنا حكايات ونوادر كثيرة.
وقد زرت سيناء بعد التحرير، وذهبت ثلاث مرات إلى كاترين.. وأربع مرات إلى العريش والشيخ زويد والجورة.. وبعدما أنشب الإرهاب أظافره وكشر عن أنيابه فى سيناء بقيت أطالع الكتاب العمدة عنها وهو «تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها»، الذى ألّفه نعوم بك شقير، وصدرت منه عدة طبعات آخرها عن دار الكتب المصرية، حققها الدكتور صبرى أحمد العدل، وإشراف ودراسة صديقى الأستاذ الدكتور أحمد زكريا الشلق.. وهو كتاب نادر فى محتوياته التى لم تترك شيئًا يتصل بسيناء إلا وذكرته وفصّلته بدقة.
وثمة كتاب آخر يتناول «البدو» عمومًا فى كل المنطقة العربية، ألّفه المؤرخ والعالم الألمانى «ماكس فرايهيرفون أوبنهايم»، وحققه وقدمه الباحث العربى «ماجد شبرَّ»، وفى الجزء الثانى منه رصد وشرح للوجود البدوى فى مصر، وسيناء جزء منها.
ثم إن نداءنا المتكرر بألا يكون 25 أبريل هو يوم عطلة رسمية فقط فى وجدان الأجيال الطالعة هو نداء لن نملّ من السعى لكى يصبح واقعًا حيًا مستمرًا، بأن تدرس تلك الأجيال فى تعليمها العام والجامعى تاريخ علاقة المصريين بأرضهم، وكفاحهم ونضالهم من أجل الحفاظ عليها وبقاء ترابها محررًا محميًا من كل طامع، وأن السبيل الأمثل لذلك هو الإعمار والتنمية المستدامة، والارتباط بالأرض الذى يرسخه اختلاط عرق المجتهدين فى الزراعة والصناعة بحبات رمل وذرات تربة وطنهم.
تحية لسيناء فى يوم تحريرها، وفى كل يوم تشرق شمسه عليها وهى فى سلام ورفاهية، وتعظيم سلام لأرواح الشهداء الذين بذلوا أرواحهم لتحريرها من العدو الصهيونى، ومن العدو الإرهابى المتأسلم.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية