تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

غزة.. ودبى وسنغافورة

ليس لدى بعض المحللين السياسيين، وبعضهم من كتاب الأعمدة – وقد ميّز الأستاذ الفذ أحمد بهاء الدين بينهم وبين أعمدة الكتاب– مانع منهجى أو أخلاقى أو ذاتى، وأعنى به الحياء، من أن يعمموا مفاهيم مغلوطة، ومن أن يعقدوا مقارنات وقياسات فاسدة، وأيضًا من أن يشايعوا قوة باغية استعمارية عنصرية!
واذا تصادف وأمعنت فى بغيها ودمويتها وعنفها، ولم يعد ثمة ما يتيح لهم الاستمرار فى المشايعة؛ ذروا بعض الرماد، وسرعان ما يعودون.

قرأت لبعضهم مقارنة بين دبى وبين حماس، وسمعت من محللين صهاينة أوغاد أن غزة كان من الممكن أن تكون سنغافورة أخرى على المتوسط، لولا حماس!

ومن فورى، وبحكم الدراسة والاهتمام، استدعتنى بعض المراحل والوقائع التاريخية التى قد تتشابه مع ما يجرى.. وقبل أن أستطرد أود أن أوضح وأعيد تكرار ما سبق وذهبت إليه مرات، وهو حتمية التمييز بين حماس التى عرّفت نفسها بأنها جناح عسكرى للإخوان، وبين كونها جزءًا من حركة مقاومة وتحرر وطنى لشعب أرضه محتلة وتعرّض عبر ما يقرب من قرن من الزمان لأبشع ما تعرض له وطن، دهمه الغزاة المحتلون.. ثم حتمية القبول بإمكانية توظيف كل مقومات وجدان المجتمع- بما فيها المعتقد الدينى- لمواجهة العدوان، وقد فعلت ذلك أمم كثيرة بما فى ذلك الاتحاد السوفيتى فى الحرب العالمية الثانية، إذ خاطب ستالين الجانب المسيحى الأرثوذكسى للشعوب السوفيتية!

وإضافة لذلك فإننى ممن يذهبون إلى أنه لا حماس ولا غيرها مفوض بأن يفرض على مصر أجندته وأولوياته، لأن مصر كدولة لها أجندتها وأولوياتها التى لا تفرضها على أحد، ناهيك عن أن الدولة الصهيونية، حكومة ومجتمعًا، قامت على استدعاء المعتقد الدينى التوراتى وما زالا يعتمدان عليه كعمود فقرى للتماسك والاستمرار فى الوجود والتمادى فى السعى لتحقيق ما فيه حول الوطن الممتد من الفرات للنيل، ومعه التمادى فى نفى الآخر والنظر إلى الفلسطينيين والعرب عمومًا- بمن فيهم نحن- باعتبارنا أغيارًا فى مرتبة الحيوانات، ثم جاء بلينكن وبايدن ليعلن الأول يهوديته، ويعلن الثانى صهيونيته، وعليه فإن حركة تعتمد العقيدة الدينية أساسًا لوجودها كحماس هى رد الفعل أو الفعل المضاد، ومن النوع نفسه أى المرجعية الدينية!

وهنا أعود إلى السياق لأذكر أن مصر تعرضت فى تاريخها القديم لأكثر من عدوان واحتلال، ومنها العدوان والاحتلال الرعوى الهكسوسى، الذى سيطر على شمال وشرق مصر، وانحسر الحكم الوطنى إلى الجنوب، واتخذ طيبة عاصمة له، وأكاد أتخيل أن لو كان الحاكم الوطنى آنذاك له عقلية أولئك المحللين السياسيين والاستراتيجيين، وقرر أن يترك شمال مصر وشرقها للهكسوس المحتلين الذين كانت لديهم إمكانات حربية متقدمة على رأسها العربة الحربية التى تجرها الخيول وتفتك بالمشاة، ويكتفى بالجنوب الذى له منفذ بحرى على البحر الأحمر، وينسى ما نسميه الآن بالقضية الوطنية والتراب الوطنى المحتل.. يعنى بالبلدى يفعل ما يطلبونه من غزة لتصبح دبى أو سنغافورة.. ينسى أهلها حكاية الوطن الفلسطينى، سواء من النهر إلى البحر أو الوطن فى حدود 1967، ولا يلتفتون للضفة المحتلة، ويركزون على شريط غزة الذى ليس فيه احتلال! ولكن المصرى القديم لم يكن مثلهم والحمد لله، وظل لعشرات السنين يعمل على تطوير أسلحته وأدخل العجلة الحربيةـ ذات الخيول، وظل لعشرات السنين يجهز لتحرير الأرض المحتلة شمالًا وشرقًا، وعندما تم الاستعداد والتجهيز للتحرير انطلق جيش مصر بقيادة أحمس وتحقق التحرير.

هذا فى القديم أما فى المعاصر فلو كان واحد من هؤلاء الاستراتيجيين مكان الشيخ سالم الهرش، شيخ مشايخ قبيلة البياضية وقبائل سيناء، واستدعاه قائد جيش الاحتلال الصهيونى موشى دايان، ليتفق معه على إعلان دولة سيناوية مستقلة عن مصر، لتحقق الرفاهية الدبوية والسنغافورية لأهل سيناء، بعيدًا عن اشتراكية الحكم فى مصر، ويكون سالم الهرش رئيسًا للدولة السيناوية التى سترعاها الدولة الصهيونية.. وأبدى الهرش موافقته، وجاء وقت الإعلان فى مؤتمر صحفى عالمى، أقيم فى مدينة الحسنة، ليقف الهرش البطل ويعلن أنه مصرى وسيناء مصرية، وجن جنون دايان!

أقول لو أن أحدهم مكانه، وبمنطق الخلاص إياه لقبل أن يكون رئيسًا لدولة سيناء تحت الاحتلال. ويجعل منها دبى أو سنغافورة! إنها زكائب الهموم والبلايا التى انفتحت واستعصت على أن تربط!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية