تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

التهنئة بالعيد واجبة، وهى فرض عين إذا كانت موجهة لمصر المحروسة، لأن مضمون التهنئة فى عيد الأضحى هو الإخلاص فى الانتماء والولاء، وهو الفداء، وهو التمسك بالأمل والفرج، اللذين لا يحرم الله منهما من أخلصوا ولم يضنّوا بشىء حتى وإن كانت أرواحهم.
وفى العيد, الأضحى, نتذكر أمنا هاجر بإخلاصها وولائها وصبرها وفدائها، عندما فوّضت أمرها لله ساعة أن عرفت أنّ زوجها النبى الرسول سيأخذها وابنهما لمكان ناءٍ قاحل غير ذى زرع أو ماء، فلما تساءلت وجاءتها إجابة الزوج الرسول أن ذلك أمر إلهى قالت: إذن لن يضيعنا الله.. ومضت ووصلت وعطش الابن الصغير الوحيد، فبكت وهرولت بين المرتفعات، وانفجر الماء فى المكان.
وهنا أعود للنص التوراتى الذى يتحدث عن هذا المشهد، ويتحدث عن أن الله- سبحانه وتعالى- سوف يجعل من إسماعيل أمة عظيمة.. نقرأ فى الإصحاح الحادى والعشرين من سفر التكوين الآيات من 14 إلى 21:
فَبَكَّرَ إبراهيم صَبَاحًا وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ، وَاضِعًا إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا، وَالْوَلَدَ، وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ... وَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الْوَلَدَ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيدًا نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: «لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ.
فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ، وَنادى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأن اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ.. قُومِى احْمِلِى الْغُلاَمَ وَشُدِّى يَدَكِ بِهِ، لأَنِّى سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً». وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ.
وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِى الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. وَسَكَنَ فِى بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. تكوين 21 العهد القديم.
إننى طالما توقفت أمام عبارة: لأني- والضمير عائد على رب العزة سبحانه وتعالى- سأجعله أمة عظيمة، لأنها وردت بصيغة قريبة فى الآيات من 9 إلى 13 من الإصحاح نفسه من سفر التكوين، إذ نقرأ: ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذى ولدته لإبراهيم يمرح، فقالت سارة لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن الجارية لا يرث مع ابنى إسحق، فقبح الكلام جدا فى عينى إبراهيم، لسبب ابنه، فقال الله لإبراهيم: لا يقبح فى عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. فى كل ما تقول سارة اسمع لقولها لأنه بإسحق يدعى لك نسل وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك. العهد القديم سفر التكوين الإصحاح 21 آيات 9-13.
هكذا بالنص التوراتى جعل الله إسماعيل أمة عظيمة، ولم يكن إسماعيل- عليه السلام- أمة عظيمة إلا ببعثة نبى رسول من نسله، هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فكانت الأمة المسلمة!
وهكذا أيضًا وبالنص التوراتي، فإن إسماعيل- عليه السلام- من نسل سيدنا إبراهيم- عليه السلام- يعنى ابنه، وهو بالتسلسل الزمنى- وفق التوراة- ولد قبل أخيه إسحق بن إبراهيم من سارة، وإذا قيل لسيدنا إبراهيم ابنك وحيدك فإن المقصود منطقيًا هو الابن الذى وجد مع الاب ولم يكن له إخوة، وأقول منطقيًا ولا أقول دينيًا لأننى لست بصدد مناقشة روايات وقصص الكتب المقدسة، فلها كلها الاحترام ولها القدسية عند المؤمنين بها، ولا يجوز مناقشة مؤمن فى عقيدته التى هى بالنسبة إليه حقائق إيمانية لا تجوز مناقشتها.
ومن قراءتى أيضًا أجد أن إسماعيل- عليه السلام- ضحّى مع أبيه غير مرة، الأولى لم يكن له خيار فيها عندما كان صغيرًا وقرر الأب إخراجه مع أمه للصحراء القاحلة.. والثانية عندما شب عن الطوق وكلفه الأب بأن يساعده فى إقامة قواعد البيت الحرام فى مكة، وكان وحده هو المناول للحجارة والملاط، والأب يبني، ثم جاءت الثالثة- حسب المعتقد الإسلامي- عندما تلقى الأب التكليف بتقديم ابنه ليذبح على المحرقة فأطاع: يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين.
ويذهب معتقدو أن إسماعيل هو الذبيح إلى أن النصوص المقدسة فى التوراة- كما أسلفت- وفى القرآن الكريم- كما أشرت- تدل على ذلك، لأن إبراهيم- عليه السلام- أنجب إسماعيل وقد تجاوز الثمانين عامًا من عمره.. وأنجب إسحق وكان عمره مائة عام وزوجته سارة عمرها تسعون عامًا، ولذلك عندما جاءت البشارة السماوية بأنه سينجب من سارة ضحك فى نفسه متسائلًا: كيف لابن المائة ولزوجته التى فى التسعين أن ينجبا؟! ومن ثم فإن الإشارة المقدسة بخذ ابنك وحيدك أو بكرك تتجه إلى إسماعيل.
أعلم أن الأمر يجب ألا يكون موضوع اختلاف، ولا موضوع مناقشة بالإثبات أو النفي، فلكل من يعتقد أن يعتقد، ولكن هذه السطور جاءت من باب أن الشيء بالشيء يذكر، ولا أبالغ إذا قلت إننى حتى الآن، وقد قاربت الثمانين، أغالب التأثر الشديد- وربما الإشفاق- على امرأتين مصريتين عظيمتين، هما أمنا الكبرى هاجر وأمنا مارية، التى أهديت للرسول- صلى الله عليه وسلم- فالأولى تعرضت لما جرى لها ولابنها فى الصحراء، ومن ضرتها سارة، التى بدت قاسية القلب وطلبت طرد هاجر وابنها.. والثانية تعرضت للغيرة الشديدة من بعض زوجات الرسول- صلى الله عليه وسلم- خاصة بعد أن أنجبت له ابنه إبراهيم.. ودوما أعيش بعاطفتى معهما باعتبارهما من أهلى المباشرين، وتعرضتا فى الغربة البعيدة لذلك الذى حدث، رحمهما الله ورضى عنهما وجعل ما قدمتاه فى ميزان حسناتهما..
وكل عام وأنتم بخير.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية