تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

تحية للدكتور محمد غنيم

أستعيد الكلمات التى ألقاها الأستاذ الدكتور محمد غنيم، أستاذ الطب ورائد زراعة الكلى، والوطنى العظيم المهموم بقضايا الوطن، أمام مؤتمر طبى عالمى بألمانيا خلال يناير 2023، فقد وقف الرجل مخاطبًا العلماء الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم، فذكر أنه من مصر.. من مدينة فى الجزء الشمالى الشرقى من الدلتا اسمها المنصورة – وترجمها لهم بالإنجليزية– ثم بدأ يسرد بإيجاز وبلاغة ومهارة قصة تسميتها المنصورة..
فقال:

منذ 800 عام قرر الصليبيون غزو مصر، فى طريقهم لغزو القدس، فجمعوا جيشًا كبيرًا من فرنسا وألمانيا وإنجلترا، وهو ما نسميه الآن الناتو.. جاء الناتو لغزو مصر، وفى ذلك الوقت كانت مصر قوية، فهزمنا الناتو وأسرنا القائد العام للقوات المسلحة الملك لويس التاسع، ولكن أين نسجن هذا الرجل المهم؟ فى جوانتانامو أم فى أبو غريب؟ لكن المصريين لم يكونوا أقوياء فقط بل كانوا متحضرين، فوضعوه فى منزل القاضى بالمنصورة، وبعد ثلاثة أشهر دفع الأوروبيون للمصريين فدية كبيرة من المال، ومع الوقت أصبحنا جزءًا مما يقال عنه الدول النامية، وعن طريق الفساد والاستعمار من جانب الفرنسيين والإنجليز ذهب المال مرة أخرى للبنوك الأوروبية فى حسابات سرية، وبقى جزء بسيط من المال فى المنصورة، وهو الذى بنينا به مركز أمراض الكلى والمسالك البولية فى المنصورة.

 

ولا أجد كلمات ترقى لوصف هذه المهارة البديهية الجبارة، التى لخّصت مجلدات تاريخية وسياسية وثقافية وحضارية فى عدة سطور.. ووجدت لزامًا أن أراجع الكتاب العمدة الذى ألفه الأستاذ الكبير المؤرخ محمد مصطفى زيادة، أستاذ تاريخ العصور الوسطى، والرئيس الأسبق لقسم التاريخ فى جامعة القاهرة، بعنوان «حملة لويس التاسع وهزيمته فى المنصورة» الذى أصدرت طبعته الاولى من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1961.

وقبل أن أقتبس بعض ما جاء فى الكتاب، الذى استند مؤلفه إلى وثائق وكتب عاصرت الحملة، أود أن أشير إلى أن ما فعله الأستاذ الدكتور محمد غنيم يتسق مع منهج أراه أكثر مناهج معالجة تاريخ مصر اتصالًا بالدور الحضارى لوطننا، باعتبار أن الحضارة تشمل الثقافة والمدنية كليهما، وما حدث مع لويس التاسع هو من صميم مضمون التعريف الذى اعتمده المؤرخ ول ديورانت فى موسوعته «قصة الحضارة».. إنه منهج يعتمد على أن نرصد ما قدمته مصر للبشرية عبر العصور من القديم إلى الوسيط إلى الحديث والمعاصر..

وأزعم أن ما قدمته كثير وعميق، وكان وسيبقى من أسس الحضارة الإنسانية وعلاقة الإنسان بالجغرافيا وبالتاريخ وبالكون وبالآخر بل وبالآخرة.. أى الحياة بعد مغادرة الدنيا، وإذا كان المؤرخون المعنيون بدراسة الحضارات وفلسفة التاريخ كديورانت وتوينبى يؤكدون أن الحضارة تقوم على الاستقرار والأمن والكتابة وبغيرها فلا حضارة؛ فإنهم استقوا هذا الأمر من رصدهم للحضارة المصرية القديمة منذ عصور ما قبل الأسرات، لأن مصر هى التى صنعت الاستقرار وأقامت الدولة واخترعت الكتابة، ثم انطلقت لتقيم تصورًا متكاملًا لمصير الإنسان بعد مغادرته الدنيا، فكتبت عن البعث والحشر والحساب والعدل والثواب والعقاب والميزان! وكل ذلك وغيره جاء فى الديانات اللاحقة سماوية وغير سماوية.

ولو استطردنا فيما قدمته المحروسة فى مضمار الثقافة والمدنية، ومنها العلوم الهندسية والطبية والفلكية والجيولوجية والتقنيات التطبيقية، وأيضًا مضمار الأخلاق والقيم العليا؛ لاحتجنا لمجلدات.

وسوف أستكمل تفاصيل ما جرى فى المنصورة فى شتاء عام 1250 ميلادية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية