تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
انتباه.. إنه يوم الشهيد
كنا فى كل صباح من صباحات الأيام التى كانت تضمنا فيها معسكرات فصائل خدمة الجبهة، أو معسكرات العمل فى ردم المستنقعات، أو أنشطة الجوالة واللقاءات الثقافية؛ نقف لننشد كلمات تقول:
«انتباه.. انتباه.. انتباه يا بلدنا..
يا بلدنا انتباه..
اسمعى صرخة رياض..
اسمعيها بانتباه..
رياض.. رياض.. رياض مماتش
والحرب لسه لسه ما انتهتش»..
كان ذلك فى أعقاب استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض يوم 9 مارس 1969، أثناء حرب الاستنزاف.
ومثلما كنا شبابًا نتدفق حماسًا وإصرارًا ووطنية آنذاك، فإن خلاياى كلها تنتفض حنينا وتأثرًا وتدبرًا فيما أقترب الآن من الثمانين!
وأثناء كتابتى هذه السطور، التى قد تقع عليها عين جيل لم يعش تلك الأيام، وعين من عاشها وقرر أن ينساها، أو يتجاهلها وتختلط عنده الأمور وتختل المعايير، ثم عين من عاشها وما زال يتذكرها ويتدبرها ويدرك قيمة الرجال، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقضى نحبه منهم من قضى وانتظر من انتظر.. ليؤكدوا أن هذا الوطن باقٍ بعظمته وخلوده، ولن يتمكن أحد من أسره فى سوق النخاسة، سياسية كانت أم اقتصادية أم فكرية وثقافية.
ولن أقول كان استشهاد الفريق رياض، بل أقول سيبقى استشهاده علامة بارزة فى مسيرة الاستشهاد والنضال الوطنى، خاصة الحديث والمعاصر.. أى منذ شهداء ثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية، إلى الشهداء الذين بذلوا أرواحهم وهم يتصدون للإرهاب ويكفلون للوطن أمنه وأمانه واستقراره.
هو محمد عبدالمنعم محمد رياض عبدالله، ولد فى قرية سبرباى مركز طنطا محافظة الغربية، فى الثانى والعشرين من أكتوبر عام 1919، وكان والده القائمقام محمد رياض عبدالله ضابطا أيضًا، وتولى قيادة بلوكات الطلبة بالكلية الحربية المصرية، وكان إخوته جميعًا بنات وبنين من المتفوقين والعلماء، وبعد حصوله على التوجيهية من مدرسة الخديو إسماعيل التحق بكلية الطب ومكث فيها عامين، ولكن دماء العسكرية المصرية السارية فى خلاياه جعلته يتركها ويلتحق بالكلية الحربية ليتخرج عام 1938 وينال شهادة الماجستير فى العلوم العسكرية عام 1944، وكان ترتيبه الأول، وفى إنجلترا أتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز عامى 1945 و1946 وأجاد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، وانتسب فى مسيرته المعرفية والعلمية لكلية العلوم لدراسة الرياضة البحتة، وكلية التجارة ليدرس الاقتصاد، ثم حصل على زمالة كلية الحرب العليا بأكاديمية ناصر العسكرية عام 1966.
ولم يتوقف عبدالمنعم رياض عن التحصيل العلمى والعسكرى طيلة السنوات منذ تخرجه، ولقب بـ«الجنرال الذهبى» بعد أن حصل على تقدير امتياز بعد إتمام دورة تكتيكية تعبوية فى الأكاديمية العسكرية السوفيتية العليا عام 1959.
وقد رقى عام 1966الى رتبة فريق، وعين قائدًا لمركز القيادة المتقدم فى عمان، وعين بعد نشوب حرب 1967 قائدًا عامًا للجبهة الأردنية، ثم فى يونيو عام 1967 اختير رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، وبدأ مع وزير الحربية والقائد العام الجديد للقوات المسلحة الفريق أول محمد فوزى إعادة بنائها وتنظيمها، ومنذ توليه مهمته كرئيس للأركان واشتعال حرب الاستنزاف ضد العدو الصهيونى توالت المعارك البطولية ضد العدو، مثل معركة رأس العش التى منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد أواخر يونيو 1967، ثم تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967 وغيرهما
وفى يوم 9 مارس 1969 توجه الفريق رياض إلى الجبهة الأمامية ليشرف عمليًا على تنفيذ الخطة المصرية لتدمير خط بارليف بعد أن انطلقت نيران الجيش المصرى الباسل على طول خط الجبهة يوم 8 مارس 1969، واتجه الرجل إلى أكثر المواقع تقدمًا ليرى عن قرب نتائج المعركة ويشارك جنوده، ولم يكن الموقع الذى وصل إليه يبعد إلا بمائتين وخمسين مترًا من مرمى النيران الصهيونية، وهو الموقع رقم 6 الذى كان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو، واشتعلت المعركة وانهالت نيران العدو على الموقع والقائد يقود المعركة بنفسه لنحو ساعة ونصف الساعة، ولتنفجر إحدى دانات المدفعية المعادية بالقرب من الحفرة التى كان يقود المعركة منها، وليستشهد نتيجة إصابته من الشظايا وتفريغ الهواء.
وكانت جنازة الشهيد الفريق محمد عبدالمنعم رياض بدورها صفحة أخرى خالدة فى مسيرة شعب مصر، حيث تقدمها الرئيس جمال عبدالناصر ومضت الملايين تشيعه، وقد سمعت بأذنى من السيدين أمين هويدى وشعراوى جمعة أن الرئيس أبلغ - وهو بين الجموع الحاشدة- أن أمنه لم يعد تحت السيطرة تمامًا، فرد بنظرة صارمة وبغير كلام، ومضى يتقدم الموكب البطولى إلى نهاية التشييع.
سلام على عبدالمنعم رياض وعلى شهداء الوطن.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية