تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

العين الحارسة للمحروسة

لا تقتصر خطورة ما يرتكبه البعض فى الانتخابات البرلمانية من أفعال يؤثمها القانون على إفساد، بل وتدمير، الحياة النيابية والسياسية فى بلدنا، بل تتعدى ذلك إلى ما لا يقل خطورة إن لم يكن أشد، وهو إجهاض المشروع الوطنى النهضوى الشامل الذى تصدت له ثورة يونيو والنظام الذى أسست له، وأيضًا هدم التكوين الفكرى والثقافى الذى تراكم عبر عشرات السنين منذ بدأت أول تجربة نيابية فى مصر خلال القرن التاسع عشر، وفى القلب من هذا التكوين مبدأ المواطنة، الذى يساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات بغير استثناء، بسبب من جاهٍ أو ثروة أو دين وطائفة ومذهب أو عرق وجنس.

 

إن أفعالًا من قبيل العنف وترويع الناخبين والمنافسين، ومن قبيل الرشوة التصويتية، التى تدخل فى إطار دور المال السياسى المنفلت، وأيضًا التزوير وكسر الضوابط الحاكمة للدعاية ولشكل ومضمون الخطاب السياسى والإعلامى الانتخابى، أفعال غير منقطعة الصلة بالدائرة الأكثر اتساعًا فى البنية الاجتماعية.. تلك الدائرة التى لا تكف عن فرض رذالتها على الأمة المصرية وشعارها الدائم «فى جيبك كم..» بصرف النظر عن المصدر الذى ملأ الجيب، وعن الالتزامات القانونية والأخلاقية والثقافية التى يفترض تمتع الإنسان السوى بها.

ولقد تابع العقل والوجدان المصريان مراحل اتجهت فيها الرذالة إلى الاستيلاء على المال العام، الذى يشمل أراضى الدولة وشاطئ النهر والبحر والتهرب من الضرائب.. ثم مرحلة المخالفات الرهيبة فى البناء وغش المواد والنسب، لدرجة وصل فيها الحال عندما انهدمت عمارة هليوبوليس أثناء زلزال 1992 أن يصرح المرحوم الدكتور عبدالرحيم شحاتة محافظ القاهرة بأن كل المبانى الحديثة فى مصر الجديدة ومدينة نصر وغيرهما يمكن أن تواجه مصير عمارة هليوبوليس، لأن الغش فى الإسمنت والحديد والنسب والمواصفات هو نفسه.

وتراكمت المليارات لحظة بعد لحظة، ولا أقول سنة بعد سنة.. وبعدها جاءت مراحل الغش والنهب الذى لم يفلت أى مجال حتى وإن كان الرحلات إلى الأراضى المقدسة!.

ناهيك عن مجالات المخدرات والسلاح والآثار.. وهذه هى تلك الشريحة التى تريد دومًا أن تكفل لنفسها أغطية حماية تمتد من اصطناع التقوى والتدين وبناء المساجد أسفل العمارات المخالفة إلى اختراق نقاط الضعف فى جهاز البيروقراطية بالرشاوى العينية والنقدية، وصولًا إلى محاولات الدخول إلى المجالس النيابية!. 

وها نحن الآن نعيش ونعاين المشروع النهضوى المصرى، الذى يقوده الرئيس السيسى، الذى طالما تابعناه فى الصباحات المبكرة يتابع ويناقش ويوجه فى أرض الواقع، يعنى فى العراء وعلى الاسفلت أو الرمل والحصى ليتم إنجاز بنية تحتية شديدة القوة هائلة الانتشار. وقد انتقلنا للاستكمال ببناء الإنسان وكفالة تحقق المواطنة وتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فى ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد والخطورة، وتمكنت مصر- بفضل الله وبجهود أبنائها فى القوات المسلحة والمخابرات والخارجية- أن تحتفظ بتوازنها وتدير الأزمات بحرفية عالية، وفى الوقت نفسه لم تتوقف عجلة الإنتاج والخدمات، ويبدو أن تلك الشريحة الرذلة، التى يمكن أن تتعدد ولاءاتها وتتغير مواقفها، قد صعب عليها أن يستمر المشروع الوطنى فى مساره وسارعت بتوجيه ضربات خستها إلى صلب جوهر المواطنة، وإلى مفصل من أهم مفاصل الحياة العامة السليمة، وهو الحياة النيابية، وظنت أن أحدًا لن يتصدى طالما أعلنت بالكلام واللافتات ولاءها للنظام القائم، ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة، لأن العين الحارسة لمصر من مخاطر الإقليم والخارج لم تغمض جفنيها عن مخاطر الداخل، وكان كلام الرئيس والدولة بأن المسافة واحدة تجاه كل الأطراف، ولا صحة لكلام أحد عن أنه محمى ومسنود، وأن القانون هو المرجعية الوحيدة، ولو تطلب ذلك أن تلغى كل الانتخابات وتعاد من جديد.. ولن يغيب عن فطنة أى مراقب توالى التدخل الرئاسى وفق القواعد الدستورية فى حالتين متتاليتين، أولاهما قانون الإجراءات الجنائية حيث كانت حماية حقوق المواطنين وكفالة مواطنتهم السليمة هى الهدف، وثانيتهما ما تواتر عن مخالفات جسيمة فى العملية الانتخابية، ليأتى قرار اللجنة المشرفة على النحو الذى أعلن. إن السؤال المشروع هو: هل يرتدع الأرذال ويكفون عن طعن الوطن، وهل يمكن أن يضمر ويتلاشى دور المال السياسى الفاسد المنفلت، وهل نعيش لنرى برلمانًا لم تشب انتخاباته أى شائبة؟!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية